الدراما السورية.. “كسر راس”!
معركة “كسر راس” خاضتها الدراما السورية خلال السنوات الماضية، استخدمت خلالها جميع أنواع الأسلحة المحرّمة أخلاقياً، بدءاً من تقسيم الممثلين إلى أخيار وأشرار، مروراً بإغلاق فرص العرض في المحطات التلفزيونية الشهيرة، وصولاً إلى فرض السيناريوهات على المخرجين وتحديد أبطال الصف الأول بقوة رأس المال.
اثنا عشر عملاً هذا الموسم، تكفي لدفع الدماء في شرايين الجسد الدرامي الذي ما زال في غرفة الإنعاش حتى اليوم، رغم أن هذا الرقم لا يشكل سوى ثلث ما كانت تنتجه الدراما سابقاً، فالأعمال الجديدة، تحمل أسماء جديدة بدأت منذ فترة تختطّ نهجاً يضيف إلى تجربة التمثيل السورية الكثير من التنوع والثراء. صحيح أن الملاحظات كثيرة على فرص العرض وأدوار النجوم وهفوات السيناريو، إلا أن ذلك يبدو طبيعياً في معركة “كسر الراس” التي خاضتها هذه الدراما خلال أكثر من عقد من الزمن، بهدف ليّ ذراعها وسلخ جلدها وتحميلها ما لا تحتمله من ضغوط كانت تهدف إلى تدجينها عربياً عبر أدوات النافذين المسيطرين على المحطات الكبرى.
صعود الدراما الاجتماعية وعودتها إلى الواجهة من دلائل هذه المعافاة، وهذا لا يعني بالطبع تغييب مسلسلات البيئة الشامية وأعمال الفانتازيا والأعمال الساخرة، حيث وجود الجميع يعني إثراء للمشهد، ولنترك التطور الطبيعي يأخذ دوره في حسم الاتجاهات من دون تدخل أو قسر وإجبار. حرية التنافس على صعيد الفكرة والذائقة البصرية، من شأنها أن تفتح الكثير من الآفاق أمام الأعمال الدرامية في المستقبل على الصعيد العربي والعالمي، ويكفي أن نأخذ التجربة مثالاً وهي الشهيرة بالتحالف الضمني مع المنتج المصري وتسويقه وعرضه ضمن المحطات المحلية والعربية باعتبار أن هذه المسألة تأخذ بعداً وطنياً عند إخواننا المصريين، وهذا أمر حق.
لم يُكسر رأسُ الدراما السورية، ونجت من المعارك الكثيرة التي تعرضت لها، رغم الجروح التي أصيبت بها ورغم الخسارات الكبيرة، إلا أن الاستمرار والاستفادة من التجارب السابقة يعتبر معافاة تنتظرها جميع الفنون السورية الأخرى، لأن نجاح الدراما يعني خيراً على السينما والمسرح والشعر والموسيقا. من هذا الباب، سيتحمل صناع هذه الدراما وأبطالها وكوادرها الفنية، جميع الانتقادات التي ستشق طريقها خلال هذا الموسم، لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية أولاً، وثانياً لأن صقل التجربة عبر النقد هو الحل من أجل ضمان الانتعاش في كل موسم.