المركزي والقرارات المتجددة
اتخذ المصرف المركزي والذي يسمى (أبا المصارف) عدة قرارات تخصّ سعر الفائدة و لتتالى بقرار رفع سعر الصرف للتحويلات الخارجية والتي قد تسحب لتصل لسعر صرف تمويل المستوردات و غيرها من استخدام الدولار.
القرارات جاءت في ظل توقيت يعطي لها أهمية من حيث الواقع الاقتصادي و الوضع العام داخلياً ومحلياً وإن كان التوقيت قد تأخر حسب تقييم كثر ولكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألّا تأتي..
ويعلم المختصون والتقنيون اعتبارية أسعار الفائدة والتي تعد من أهم أدوات السياسة النقدية والتي يجب أن تكون مرنة ومتحركة بين صعود وهبوط حسب الظروف الاقتصادية للبلد المعني, وهذا ما جعل كثراً يصفون القرار بالمتأخر..
ففي الدول المتقدمة في المجالات التنموية و ذات العمق والتشعب بالاقتصاد الدولي المعولم مالياً انعكاسات كثيرة ومتنوعة و كبيرة ترتبط بتغيره ضمن هوامش تتعلق بالتضخم العام والاستثمار الكلي والجزئي والاستهلاك, فعندما يكون هناك تضخم بدرجات أكبر من المعتاد فقد يلجأ المركزي لرفع الفائدة لسحب السيولة ووقتها يقارن المودع بين عائد الإيداع وعائد الاستثمار وبالعكس تخفض الفوائد بالاتجاهين عندما يراد تحريك عجلة الاقتصاد بما فيها الاستثمار و الاستهلاك.
وفي تبريرات (المركزي السوري) أن رفع الفائدة لحدود ١١ بالمئة جاء بما يتناسب مع مؤشرات الاقتصاد والحاجات الاقتصادية والغاية الأهم جذب المدخرات المخزنة نتيجة عوامل متعددة, منها الركود التضخمي ومنها بعض القرارات المتعلقة بآليات سحب المودع لأمواله ومحدداته وتوجيه الأموال كتسهيلات نحو الأنشطة الإنتاجية الداعمة للتنمية بشكل عام..
ففي الفترة السابقة كان التركيز نحو الحسابات الجارية وهذا ما دفع المصرف للتوجه نحو التسهيلات الائتمانية قصيرة الأجل لتغطية سحوباتها المحتملة وبالتالي سعر الفائدة الجديد يناسب الواقع في هذه الظروف الصعبة ويسهم في إعادة هيكلة السيولة لدى المصارف عبر تشجيع الادخار وتوجيه توظيف التسهيلات الائتمانية نحو الاستثمارات المجدية الداعمة للتشغيل والإنتاج فحسب تصريحهم السعر الجديد بما يعكس ويرمم الفجوة بين الناتج والتضخم فقد تم احتساب سعر الفائدة السنوية ١١ بالمئة على الودائع لأجل شهر ثلاثة أشهر وشهادات الاستثمار وقد تم الإبقاء على تحرير معدلات الفائدة على التسهيلات الائتمانية وترك تحديدها للمصارف بناء على تكلفة الإيداع بغية التخفيف من حدة المتاجرة بالقروض واستخدامها لأغراض المضاربة.. ومن المؤكد سوف ترتفع فوائد الإقراض بما ينعكس على تكاليف الإنتاج..
من المؤكد أن الوضع الاقتصادي بحاجة للعمل ضمن مقتضيات الواقع, فالجمود والسير باتجاه واحد لا يعطي ثماره وقد وجدنا خلال الحرب بشكل عام و خلال الفترة الماضية الكثير من المؤشرات الدالة على علل اقتصادية أدت لتشوهات في التوازنات العامة و كذلك لركود تضخمي كبير و هروب الكثير من الأموال باتجاه المضاربة على سعر الصرف و الخوف من الاستثمار بسبب عدم استقرار السوق..
مؤكد النية لسحب الأموال المخزنة من المواطنين لإعادة ضخها في مشاريع إنتاجية, وحسب الرؤية هي مشاريع متناهية في الصغر وصغيرة ومتوسطة وهي حاجات وأس العودة الاقتصادية ذات الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية الجيدة والتي تلائم ظروف البلد والمنطقة والعالم..
ولكن هذه أداة واحدة وفاعلة و يجب أن تتزامن بما يتقاطع مع غايتها من بقية أدوات السياسة المالية والنقدية..
ولكن تزامن هذا القرار مع قرار رفع سعر صرف التحويلات له دلالات و استفسارات, فمن ناحية السعي العام نحو التوجه لزيادة القدرات الإنتاجية لغايات , منها توفير المواد و المنافسة و بدائل الاستيراد و تشغيل اليد العامة و زيادة القدرات الشرائية ولكن التلاعب بسعر الصرف له انعكاسات مختلفة , فمن ناحية إن كان الغاية جذب التحويلات فهناك تأخر بالتوقيت , فكلنا يعلم أن شهر رمضان له خصوصية و يزداد به حجم التحويلات و جزء يبرر الفرق بين سعر المركزي وما سمي السوق والذي نشط في الفترات الماضية ليخفف حجم التحويلات الرسمية الشرعية وبالتالي خسرت الأقنية الرسمية حجماً كبيراً من الكتل النقدية لتأخر القرار و غالباً جزء كبير من المغتربين يعودون بفترة العيد لأسباب كثيرة بغض النظر عن سعر الصرف و الذي سيُحاسب على أساسه القادمون لصرف الـ ١٠٠ دولار و بذلك قد تكون هناك نوايا لتحريك القدرة الشرائية عبر زيادة الكتلة النقدية بهذا الرفع والذي سينعكس سلباً على معيشة الأغلبية التي تعاني فجوة كبيرة بين حاجات المعيشة وحجم المداخيل وخاصة التي تضاعفت في شهر الخير والبركة رمضان وبالتالي وصل الركود التضخمي لمرحلة جمود كبير بحاجة للتحريك وقد يكون عبر تحسين المعيشة بمنحة مستعجلة تساند الاستهلاك و تعطي دفعات لكثير من المهن والحرف والتي تعاني ركوداً كبيراً وإن استمرت المؤشرات كما هي ستكون الانعكاسات سلبية وخاصة لطقوس وتحضيرات العيد..
المهم عبر سنوات الأزمة تكرس لدينا أن اتخاذ القرارات لا يكفي من نواحٍ عدة..عدم المتابعة والتنفيذ و تصحيح الانحرافات ستجعل القرار بلا معنى أو ينعكس سلباً وهو ما وجدناه بتجميد القرارين ٣.. ٤ لمحاربة التعاطي غير الشرعي وغير القانوني للعملة الصعبة والقانون ٨ لضبط الأسعار.. وبالتالي ننتظر التطبيق الصحيح لهذه القرارات وتصويب الاعوجاجات والانحرافات ودعمه بقرارات متزامنة من جهات أخرى، فالمسؤولية متكاملة لما يسمى الفريق الاقتصادي..
من المؤكد أن المعاناة كبيرة لتشابك المعقدات ولكن الحلول متواجدة بحاجة للإرادة والاستثمار الصحيح للأدوات وللزمن..
عدم متابعة القرار قد يعطي نتائج عكسية وبقدر حاجة الأغلبية لمنعكسات إيجابية لهذه القرارات هناك من يحاول العرقلة والتقويض..