المسرح القومي في حمص بين سخاء الدعم ومطرقة الاعتراض.!
صراع الأجيال في الحقل الإبداعي يتجلى في أكثر من صورة، وهو رغم سلبيته يحمل إيجابية أيضاً، ألّا يعترف بك الجيل الذي بات حاضراً ومهيمناً ويحاول بشكل أو بآخر أن يعوّق حضورك، يشكل لك دافعاً للجهد والتميز لإثبات ذاتك كجيل لاحق, وهذا ما يعد إيجابياً للمشهد الإبداعي أياً كان حقله أو جنسه.
نشير إلى ذلك مع اعتقادنا أنه يفترض بنا أن نتخلص من هذا الصراع ونحوّله إلى تعامل بندّية إبداعية، خاصة أن بعض حقول الإبداع تتطلب العمل الجماعي، وتلاقي الأجيال مع بعضها في عمل واحد. ومن تلك الأعمال، الدراما بأنواعها (التلفزيونية، الإذاعية، المسرحية، السينمائية)، فالمخرج الذي قد أفكر بعدم الاعتراف به من جيل لاحق، أو وضع معوقات أمامه، قد يطلبني كممثل لعمل له، تتوافر فيه كل شروط الإبداع التي أعتقد بها أو أرغب فيها، وعلى ضوء ذلك الأمثلة كثيرة، وذلك يتطلب منا الإبداع أن نتعامل مع بعضنا بسماحة أكبر، وبنديّة كما سبق أن أشرنا، لأن فيهما الخير والمجال الإبداعي للجميع.
في ضوء ما سلف نشير إلى ما صرّح به الممثل والمخرج زيناتي قدسية مؤخراً لأحد المنابر الإعلامية، اعترض فيه على دعم مديرية المسارح والموسيقا من خلال دائرة المسرح القومي لأربعة عروض أُنتجت على حسابها، ورأى أن معظمها جاء بتوقيع مخرجين شباب لا يزال الوقت مبكراً أمامهم ليستحقوا شرف حضور أعمالهم ضمن إنتاج المسرح القومي، ورأى أن إنتاجها كان يفترض أن يكون ضمن مسمى خاص بالشباب، وإنتاجها لهم استهانة بما تحمله عبارة (المسرح القومي).
وبدورنا نستغرب مثل هذا التصريح وكأن فناننا قدسية لا يتابع عمل هيئة أخرى من هيئات وزارة الثقافة، كالهيئة العامة السورية للكتاب التي تطبع للأدباء المخضرمين وللكتّاب الذين دخلوا مجال الأدب حديثاً، بمعنى؛ هي تطبع الديوان الشعري الأول أو المجموعة القصصية أو الرواية الأولى، لكاتبها أو كاتبتها من دون أن تصنف الكتاب تحت أي مسمى خاص بالشباب وتفعل الأمر ذاته في حقول أخرى طالما هناك لجنة قراءة توافق على طبع المخطوط، ويفعل اتحاد الكتاب العرب الأمر ذاته في تعامله مع الكتّاب فالاتحاد يطبع للكتّاب الذين لم يصبحوا أعضاء فيه من دون أي تفريق أو تمييز بينهم وبين الأعضاء الذين أصدروا أكثر من عشرين كتاباً، والتي عضويتهم تُستحق لهم إن امتلكوا كتابين على الأقل. كل ذلك يتم طبعه من دون أن نسمع أي تذمّرٍ من أي أديب يعد أيقونة في مجاله أو غير أيقونة!. فما تفعله مديرية المسارح والموسيقا من خلال دعمها لدوائر المسرح القومي في المحافظات هو على عكس ما رأى الفنان قدسية، فهي تدعم كل المواهب التي تستحق وتتابع ما تنجزه قبل السماح لهم بالعرض، وهي قد لا تقدّر جيداً أحقية هذا المخرج من دون ذاك، لكن بتوجهها العام أكثر من صائبة، بخاصة فيما يتعلق بمدينة حمص التي كانت مظلومة فترة طويلة، إذ حُصر دعم الإنتاج بمخرجين اثنين فقط، لم يقدما عروضاً نالت رضا أحد، فتوجهت إلى جيل أصغر سناً، وكانت النتائج جيدة، ونتمنى استمرار هذا الدعم، فحمص تأخر فيها إحداث دائرة للمسرح القومي، واستحقتها مدن أخرى قبلها، رغم أنها أول مدينة عرفت المسرح من بين كل المدن السورية، وفق الوثائق التاريخية، وحسبما ذكره المسرحي فرحان بلبل في كتابه البحثي الهام « مئة عام من المسرح السوري» الصادر عن وزارة الثقافة.
أخيراً، الإنتاج الذي تدعمه مديرية المسارح والموسيقا سينعكس فيما بعد على حركة المسرح، والحركة الدرامية بكل ألوانها وعناصرها الفنية في مجالات التلفزيون والسينما أيضاً، ولا أعتقد أن المديرية بإدارة الأستاذ عماد جلول، غافلة عن ذلك، بل تعي تماماً ما تمضي إلى تحقيقه.