التأمّل بـ”بروسترايكا ” عالمية
من المؤكد أنه لم يكن عبثياً حجم الشماتة واليأس اللذين رافقا وتليا ما حصل بالاتحاد السوفييتي السابق، وذلك نتيجة حتمية للحرب الشعواء المتعددة الاتجاهات التي سار بها المعسكر الغربي بقيادة الحلف الأنجلوسكسوني، وليستمر المسار بأشدّ ما كان بعد عنونة العالم بالقطبية الواحدة وصولاً لعولمة سلّعت الإنسان ومحت ذاكرته وشوّهت الأفكار والتاريخ وجعلت الغرائز هي النمطية السائدة، وسلّعت كل شيء وحاولت قلب المعايير وطمست المنظومات القيمية والأخلاقية، عبر تصحّر عالمي ناجم عن محاربة شرسة للإيديولوجيات البنّاءة القائمة على المحتوى الإنساني والعدالة الاجتماعية ومحاولة تشويه الأديان السماوية عبر صنع منظومات إرهابية ومتابعتها وتقويتها إعلامياً، وبالتالي نمطية جديدة هدفها وغايتها إشباع الغرائز وسط إرهاب اقتصادي متنوع لتدمير أي بلد لم يقبل الالتزام بأجنداتها وتهشيم داخله وتدمير تلقائي لتنميته، وهو ما وجدناه في يوغسلافيا والعراق والسودان وسورية وأفغانستان، وتحويل أقزام إلى أقطاب ضمن الحيز الجغرافي المستهدف بما يحقق مصالحها ويقوض دولاً بحد ذاتها ويقوي نفوذها المعولم عبر الشركات المتعددة الجنسية وعبر شخصيات معولمة، وبالتالي اعتقدت المنظومة المتعولمة المتزعمة أنه بتقسيم الاتحاد السوفييتي والسيطرة على المؤسسات العالمية وفرض الأجندات السياسية والثقافية والاقتصادية والسيطرة على الإعلام وعلى وسائل التواصل وصلت لنهاية التاريخ ونهاية أي حضارة إلا ما تبثه وتلقنه, ونكذب إن قلنا: لم يصل العالم إلى قنوط ويأس وتسليم بأمر واقع وسط مشاهد إذعان من العالم واستسلام وخاصة بعد الصمت والغدر والخيانة التي رافقت ما حصل على المنطقة وخاصة سورية التي كانت الساحة المحيرة والتحولات الكبرى، ومنها الوجود الروسي الذي كان من أسباب الحفاظ على كيانها وعودة الروح بالتعاون مع الجيش السوري والشعب الصامد الصبور، وكانت كأوكسجين منقذ لضحايا قطع عنهم الإرهاب التنفس وحاول منع أي طريقة لوصوله عبر كل أنواع الإرهاب والترهيب, وأشدها وآخرها الاقتصادي المتنوع ومن أساسياته العقوبات والخنق والحصار بعد الاستنزاف والنهب والسرقة و استئجار فاقدي الضمير والانتماء وكان الفشل الذريع المتزامن باستفزازات وافتعال حروب بالوكالة وخلق فراغات لتُملأ بقوى سوداء إرهابية وصولاً للاستفزاز العلني لاستجرار القوى المناهضة لحرب إذعان أو استنزاف طويل الأمد، وفي كل الأحوال على حساباتهم الربح حليفهم مادامت الساحات بعيدة عنهم، ومادامت ستنتعش أسواق معاملهم وخاصة الأسلحة، وطالما سيستكين العنفوان واللحن الإنساني القادم لتكون النتيجة تفرداً متركزاً طويل الأمد.
ولكن الساحة وسيرورة الصراع خذلتا تصوراتهم وسط بزوغ فجر, تتشوّق أغلب الإنسانية له وتسعى لنوره، فجر إنساني عالمي جديد يعيد للإنسانية بمعناها وبمرتكزاتها الاقتصادية والثقافية والروحية والاجتماعية ألقها، ولو بحالة جنينية وصولاً لتكريسها ضمن استمرارية الثنائية الوجودية صراع الأضداد؛ الخير والشر، ولو أن منظار ومجهر البعض هو صراع مصالح بين الرأسمال والرأسمال المتوحش أوليغارشيا قادت البيروسترايكا.. واحتكارات متجسدة بشركات متعددة الجنسية، شباكها تطفو فوق العالم لتبتلع اقتصاده وسط فرق طبقي شاسع بين عدة مئات تملك أكثر من ثلث ثروات العالم والبقية تتباين بين الفقر المدقع والفقر وبعض المرتزقات الداعمة لجشع وتوحّش طبقة النهب والسلب والسرقة والقتل بمختلف الأدوات..
وبذلك من ظن أن البيروسترايكا قد قزّمت روسيا ودورها وأن الأولغارشية كانت اختزالاً لرأسمال مسيطر والذي ثبت بعد جنون العقوبات وانتشارها الأفقي والعمودي بتوسع سيطرة الأموال الروسية وبمختلف المجالات ورغماً عن الأوليغارشية كان هناك تنوع اقتصادي وأسس وثوابت حكومية وقطاع عام وخاصة في شركات الطاقة التي طالتها العقوبات.
ما يهمنا هو التأمل الواسع والكبير لكل من يؤمن بالإنسانية وبأنها بوصلة الديانات السماوية والإيديولوجيات الداعمة، ومن يؤمن بالعدالة وبناء عولمة حقيقية تكرس العدالة وتحمي الإنسان وتقوض التوحش وتحمي الطبيعة وتعرف القيم والأخلاق بأن تكون نتائج الصراع بيروسترايكا عالمية تصحح المؤسسات القائدة وتقوض النزعة المتوحشة وتعيد النور لعالم حالك السواد ولعقول أظلمت قسراً.
من المؤكد وبعيداً عن التفكير الضيق وفي ظل صراع الخير والشر، فإن مستقبل روسيا ومن يحالفها والإنسانية متوقف عن نتائج الصراع ومدى اتساعه.
قد نجد صعوبات وضائقات مختلفة ومنها الاقتصادية ولكنها قصيرة المدى في ظل انكسار القالب المتوحش وخاصة في ظل انكشاف عنصرية مدّعي الحضارة..
وأس التأسيس لقلب الموازين التعاون والتكامل البيني لقوى سلكت طريق المواجهة وإن لم تستمر به حلت الظلمة والظلام..