بيوت أوروبا الدافئة والغاز الروسي
نظرة متعمقة لأوضاع العالم اليوم تكشف مدى التموجات والتغيرات الحاصلة والمرتقبة, فالأزمة في أوكرانيا جعلت السياسة الدولية تشهد صوراً غير مألوفة , تنذر بآفاق من الصعب التكهن بها، تحمل معها إرهاصات واقع دولي مغاير لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.
قد يكون متعجلاً التنبؤ بعودة مناخات تلك الحرب بحساباتها القديمة ذاتها ، فاليوم؛ ربما هناك ملامح لعالم جديد آخذ بالتبلور بعد ظهور قوى جديدة على المشهد السياسي , وسلوك دول لها تأثيرها في السياسية الدولية، ووضع مسارات ترى فيها حماية لأمنها القومي بعد سيل من التحريضات والتحشيدات من قوى الغرب التي لا هدف لها إلا زعزعة استقرار الشعوب والهيمنة الاقتصادية على مقدراتها بشتى الوسائل, لتأتي أزمة أوكرانيا وتكشف مدى الكذب الغربي على نحو جليٍّ، حيث تعرّى أمام القوة الروسية.
إننا إزاء عالم جديد يتشكل، أو إعادة تموضع دولي سترسم مستقبل القرن الحالي ، ويخطئ من يعتقد أنها حرب كالسابقتين , هي حرب من نوع وشكل آخر؛ نوعٌ لم يعرفه العالم من قبل, لا يسوده سوى منطق القوة والتبعية الاقتصادية وحركة التجارة وتبعاتها على كلِّ المرافق , مهما اشتدت حدة الحرب الدائرة لا تتعدى حدود الدولتين , فلا جيوش من خارج حدودهما ستتدخل ولا حرب نووية ستحصل, كلها مناورات ستصب في تعزيز المصالح والكلمة للأقوى , وبعدها يبدأ مسلسل التنازلات والرضوخ للأمر الواقع .
هذه المرة هي حربٌ عالمية اقتصادية من الطراز الأول , والمستهدف بالدرجة الأولى روسيا التي دافعت بكل قواها عن أمنها القومي, و وقف التحشيد الأمريكي الذي يتلاعب بمصائر الشعوب ويخرّب ميزان استقرارها, لتحقيق طموحاته وتوسعاته ويكسب نقاط تفاوض , لكن كانت الكلمة لروسيا عبر إقدامها على وقف أنشطة كهذه رأت فيها زعزعة لاستقرار أمنها .
ما حصل جملة من الخسائر الاقتصادية من جراء تأثر إمدادات الطاقة , وليست هناك دولة بمنأى عن تبعاتها , وها هي أوروبا رهينة الأمريكي ستدفع الفاتورة مباشرة .
ويمكن القول إن بيوت أوروبا لولا غاز التدفئة الروسي لوجدت معاناة كبيرة من البرد والثلوج, إذاً هي حرب اقتصادية بدأت نتائجها تعصف بالاقتصادات الدولية , ولا أحد يتكهن بمدى الخسائر التي ستتركها , ستعيد رسم خريطة القارة العجوز الفاقدة إرادتها، والتي تركت مصالحها عرضة للصلف الغربي, خيبة أمل وخسائر سيتأثر بها الأمريكي قبل شعوب قارة أوروبا , ومهما كانت العقوبات على روسيا كبيرة بحجمها فلن تؤثر عليها المدى البعيد ولديها من البدائل ما يؤهلها لتكون فارضة لأجندة اقتصادية جديدة .
اعتقد أن عام 2022 سيكون عاماً يتشكل فيه نظام عالمي جديد .. مفرداته القوة الاقتصادية .