حصاد أكثر محبة
لا يُحسد الممثلون والممثلات على الشهرة التي يحظون بها لأن مقابل كل الإطراء والاحتفاء والجوائز التي ينالونها أولاً من الجمهور، قبل الاحتفاء بهم من قبل الهيئات الفنية والثقافية والإعلام بتنوعه، فهم عرضة لتنمر الجمهور ذاته عليهم، بأغلبه طبعاً، وهو تنمر غير مبرر إلاّ من وجهة نظر هذا الجمهور غير المثقف بثقافة احترام الآخر، خاصة إن كانت الملامح الخارجية لهذا الممثل أو الممثلة، لا تعجبه، أو إن تغيرت تلك الملامح بسبب المرض أو بسبب القيام بدور درامي ما، أو إن توجهت أغلب الممثلات بسن معينة لإجراء عمليات تجميل، إذ إننا ما زلنا نقيّم الناس على الشكل الخارجي الذي لا فضل لأحد منا عليه، حتى وإن جاء بأفضل حال، فهذا الجمهور لا يزال يثبت أنه فارغ من القيم الإنسانية، فهو لم يسعَ لأي ثقافة تعطيه فكرة أنه لا يحق لأحد السخرية من شكل الآخرين مهما تبدلت ملامحهم الخارجية وخاصة بسبب التقدم في العمر الذي سنصل إليه كلنا أيضاً وتتبدل ملامحنا، لأن لا ريشة فوق رؤوسنا، وخير ما يمكن الاستشهاد به على ما سلف متابعة تعليقات هذا الجمهور على صفحات التواصل المخصصة لـ« الكروبات الفنية«، إذ إنها تعطينا صورة دقيقة عنه، فالتعليقات تتنمر على أي فنانة أو فنان، فما إن تعرض صفحة فنية ما، صورة لفنانة في عمر متقدم، حتى يمطروها بوابل من التعليقات تحسبها من نساء ضرائر للفنانة المنشورة صورتها.! وكأنه في لحظة واحدة ننسى كمعجبات ومعجبين كل المتعة التي وصلتنا من أدوارها أو أدوار غيرها من الفنانات في المسلسلات التي شاهدناها، وكنا قد أشدنا بها أكثر مما أشدنا بجهد أمهاتنا علينا. ولعلّ هذا ليس غريباً، فهذا ما نسمعه في الشارع والبيوت والمدارس والجامعات، وتجاه الجميع دون استثناء، نقوم جميعنا بالتنمر على الأشخاص الذين هم أضعف منا والذين لا يقفون أمامنا وكأننا نحقق انتصارات عليهم. هذا المرض الاجتماعي خطير، يفترض أن تتنبه له وزارة التربية وتخصص ساعات ضمن المنهاج لتقويم سلوك الأطفال، فمن دون ذلك نحن أمام معضلة حقيقية، ستظل تتضاعف وتستمر، فاحترام الآخرين ثقافة، ومساعدتهم إن احتاجوها بطلب ومن دون طلب، أيضاً ثقافة. المشكلة أننا نبدأ بزرعها في وقت متأخر كما تفعل بعض الهيئات والمنظمات ذات التوجه الإنساني، لكنها تعمل مع الأشخاص في عمر المراهقة وبعد، مع إنه يفترض أن نبدأ من الطفولة ليكون الحصاد أكثر محبة.