حرب اقتصادية بلبوس سياسي ومنظومة «السويفت»
يشهد العالم لحظات توتر كبيرة من جراء ما يجري على الحدود الروسية- الأوكرانية وتحديداً في إقليم (دونباس) الذي يضم الجمهوريتين المستقلتين (لوغانسك ودانيتسك) وبناء على طلب شعبيهما، ويومياً نشهد عبثاً جديداً من أميركا مستغلة دول حلف (ناتو) وتوسعه في دول شرق أوروبا لفرض شروطها على روسيا الصين وإيران وسورية وكوريا الديموقراطية وفنزويلا وغيرها من الدول الرافضة للتبعية الأميركية ومحاصرتها اقتصادياً بهدف ترسيخ القطبية الأميركية الأحادية وأمركة العالم وفقاً لمصالحها، وتجسد هذا في عهد بايدن بوضع روسيا (العدو الأول) للغرب بعد أن كانت (الصين) في عهد الرئيس الأميركي الأسبق (ترامب) والعمل لتقسيم مساحتها البالغة أكثر من /17/ مليون كيلومتر مربع وتشكل نسبة (1/8) من مساحة الأرض المأهولة بالسكان في العالم وسكانها بحدود /146/ مليون نسمة، وبعد فشل (ناتو) بإثارة الفوضى في بيلاروس وكازاخستان تم الاعتماد على أوكرانيا بمساحتها /604/ آلاف كم2 وعدد سكانها أكثر من /44/ مليون نسمة وهي تشكل خاصرة مؤلمة لروسيا ومفتاحاً أساسياً لغزوها وتدميرها وخاصة مع سيطرة الأوكرانيين المعادين لروسيا والمدعومين من أميركا وتركيا، وهذا يفسر الهوس الغربي لتضخيم الدعايات الإعلامية والتحذير من أن روسيا ستحتل أوكرانيا وضم منطقة دونباس (لوغانسك ودانيتسك)، علماً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد أن هذا غير وارد في التفكير والخطط الروسية، واكتفت روسيا بالاستجابة لطلب السلطات الشرعية في هاتين الجمهوريتين، والسؤال هنا: هل تنطلق الحرب من حوض (دونيتس) بين روسيا وأوكرانيا، هذه المنطقة المهمة من الناحية الجيوسياسية والتربة الزراعية الخصبة والبنية الصناعية المتطورة ومناجم الفحم الحجري الكبيرة؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في سنة /1721/ اكتشف أكبر منجم للفحم الحجري في هذه المنطقة أي قبل/ 55/ سنة من تأسيس الولايات المتحدة الأميركية سنة /1776/ والتي أقيمت على إبادة شعب الهنود الحمر من المهاجرين البريطانيين الذين شكلوا لاحقاً أميركاً، واستثمر هذا المنجم بشكل فعلي من روسيا سنة /1913/، وكان يؤمّن بحدود /87%/ من الفحم الحجري (أي قبل تشكيل الاتحاد السوفييتي)، ومن جهة أخرى تشكل روسيا وأوكرانيا من إجمالي الصادرات العالمية من القمح أكثر من 30%، وترافق هذا مع زيادة التلوث والتصحر والإساءة للبيئة وارتفاع أسعار الأسمدة والكهرباء، وتعد روسيا من أكبر منتجي الغاز في العالم وأوكرانيا من أكبر الدول المنتجة للقمح والحبوب الأخرى وهي (سلة الخبز الأوروبية)، وكل هذا سينعكس على كل دول العالم، والدليل على ذلك ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمحروقات في أغلب دول العالم ووصل سعر برميل النفط الخام إلى حدود /100/ دولار ليسجل ارتفاعاً كبيراً لم يشهده منذ سنوات، ومن المعروف أن أوروبا تعتمد على روسيا للحصول على حوالي 35% من الغاز الطبيعي لكنها بتبعيتها لأميركا كأنها تعمل ضد مصالحها، وبدأت تعبّر عن هذا الكثير من المنظمات الشعبية الأوروبية، وخاصة من ناحية امتداد خطوط الأنابيب الروسية عبر (بيلاروس وبولندا إلى ألمانيا) ونورد ستريم /1/ من روسيا إلى ألمانيا عبر أوكرانيا، وهذا يفسر توجه الإدارة الأميركية وتمدد “ناتو” في (بولندا ورومانيا ومولدافيا والبحر الأسود وتركيا) وغيرها، فهل تسعى واشنطن إلى تشكيل (ناتو آسيوي) لمواجهة الاقتصادات الناشئة وخاصة روسيا والصين؟ كما سيؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار العالمية والتضخم النقدي وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الاستثمارات، فهل يتولد حلف عالمي يقاوم نزعة السيطرة الأميركية ويتخلص من (دولارها) ومنظومة (السويفت SWIFT ) التي تستخدمها لتنفيذ إرهابها الاقتصادي والتي تأسست في بداية سبعينيات القرن الماضي استجابة لمتطلبات الاقتصاد الأميركي للسيطرة على التجارة العالمية، وبرأينا أن هذا ممكن وكل المقدمات الموضوعية لذلك مؤمّنة، فلنتخيل ماذا لو أوجدت دول شنغهاي نظامها الخاص بها وهي تضم دولاً كبيرة ومهمة (روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان والهند وباكستان وايران)، ويمكن لروسيا مثلاً أن توسع وتفعّل نظام الدفع الخاص بها SPFS الذي تأسس سنة /2014/ بعد عودة جزيرة القرم إلى وطنها الأصلي وكردّ على العقوبات الغربية عليها، ويتم حاليًاً 20% من التحويلات المحلية من خلال SPFS، كما يمكن للصين أن تفعّل نظامها النقدي الخاص بها كبديل آخر لنظام SWIFT، وفي حال تعاون هذه الدول ستتكون (منطقة نقدية) تقول وداعاً للدولار و(السويفت) والإرهاب الاقتصادي الأميركي! وتؤكد الدراسات الاقتصادية أنه قبل منظومة السويفت كان النظام المالي العالمي يعمل بشكل أكثر أمناً وأماناً منه الآن، فهل نبدأ بالخطوة الأولى وهي إيجاد نظام جديد بديل عن «السويفت»؟.