النقد التشكيلي أو نبش الماورائيات وقراءة الكفّ!
القراءات النقدية التشكيلية، تدمّر معارضَ الرسم! تلك النصوص التي تنمو على هامش اللوحات، تنبش في الماورائيات كأنها تقرأ في الكفّ أو الفنجان، وبالتالي فإن محاولة المُشاهد الاستفادة منها للوصول إلى العمل الفني تبقى ضرباً من العبث، فعلى عكس النقد الأدبي، بقي النقد التشكيلي العربي ذاتياً في جزء كبير منه يراهن على انطباعات الكاتب وتحليلاته الشخصية من دون وجود أسس نقدية علمية يستند إليها عند تفكيك اللوحات.
البعض يقول إن هذا الأمر مرتبط أساساً بحداثة التشكيل لدينا، وذلك بناء على قاعدة تطور الفنون بالتوازي مع تطور النقد، لكن تاريخنا ضارب في العمق من ناحية النحت والتشكيل بمختلف أنواعه، منذ الرسوم الأولى على جدران الكهوف وصولاً إلى منحوتات الآلهة عشتار وغيرها الكثير من معالم الحياة القديمة التي تم العثور عليها في التنقيبات. ربما حصل نوع من القطع الحضاري مع ذلك الإرث حتى ظهر التشكيل كأنه فن مستورد من الغرب، لكن القضية تبدو متشعبة أكثر من ذلك، من جانبها المعرفي الذي يجعل الكثير من الفنانين غير مطلّعين على تاريخهم الفني الموغل في القدم، وثانياً بسبب تأثرهم بالمدارس الغربية التي غيبت الخصوصية المحلية في الرسم والنحت، فأصبح الفن العربي في جزء كبير منه يشبه الفن الأوروبي، وليس انتشار التجريد غير المبرر والمبهم إلا دليل على صحة ما نقول.
يقول النقاد الغربيون إنهم لا يرون الكثير من الخصوصية في الرسم العربي الواقع في مطب التقليد، مع الإشارة إلى التجارب المهمة التي صنعها الرواد المؤسسون وتابعها بعض الفنانين بكثير من الأناة والإصرار، لكن المشهد العام لموضوع صناعة العمل الفني وأسلوب التواصل معه من قبل الجمهور، يحتاج إلى قراءة تتعلق بتاريخ الفن وعلاقته بالمحيط والقضايا التي يتناولها، وإلا لماذا نرى معظم الحاضرين في المعارض يسألون الفنان عمّا تعنيه هذه الأعمال؟
من غير الممكن عزل مطبّات النقد عن مطبّات الفن نفسه، فكما تورّط الأعمال الرديئة النقد في الإسفاف والسطحية، فإن الأعمال العظيمة تلزمها نصوص حاذقة تستطيع العبور إلى أماكن الجمال في اللوحة كي تفككها وتشرحها، سواء أكانت الفكرة ذاتية مبنية على مشاعر الفنان الخاصة، أم كانت عامة تتعلق بالمجتمع والإنسانية. في كل هذا تبدو النصوص النقدية المنشورة يومياً على قارعات الصحف مجرد أخبار وتقارير تصلح أن تركب على أي معرض تشكيلي بغضّ النظر عن خصوصية التجربة لكل فنان، لأن كلامها في الغالب يكون عاماً وتهويمياً يشبه النبش في الغيبيات والماورائيات أو قراءة الكف والفنجان.
التشكيل اليوم يسبق النص النقدي بكثير، وحتى يتمكن هذا النص من إيجاد معداته للعبور إلى داخل العمل الفني، سيبقى المتابع يراهن على ذائقته ورؤيته الخاصة التي ستخبره إن كان هذا العمل جميلاً أم لا؟!.