الغوطة خزان خشبي لأبرز كنوز دمشق الموزاييك الدمشقي عراقة تواجه صعوبة الانتقال إلى الجيل الجديد

يحتفظ الموزاييك الخشبي الدمشقي بمكانته كأبرز كنوز دمشق الممهورة بأيدي حرفييها المهرة الذين يشكلون أبدع القطع، وكذلك الأخشاب المتنوعة القادمة من غوطة دمشق التي تعد خزاناً وافراً للأخشاب ذات الألوان المتنوعة والتي تدخل في صناعة هذه الحرفة العريقة.
ورغم الزخم الكبير الذي يعطيه شيوخ كار هذه الحرفة لحرفتهم عبر منحى تصاعدي لافت لجهة حداثة التصاميم المختلفة التي باتت عصرية جداً مع احتفاظها بروح الموزاييك الأصيلة التي تأسر القلوب بدقة تفاصيلها، إلا أنهم يعجزون عن إدخال المزيد من الجيل الشاب إلى هذه الحرفة، ما جعل مستقبلها غير مستقر ومحفوفاً بمخاطر متزايدة أبرزها الاستنزاف بعد هجرة معظم من تعلمها من الشباب نتيجة قلة مردودها المادي حالياً بسبب تداعيات الحرب الإرهابية على بلدنا، ما أدى الى ارتفاع أسعار قطع الموزاييك بالنسبة للداخل السوري وندرة السوق الخارجية مع غياب السياح الأجانب في شوارع دمشق.
ويشرح فؤاد عربش شيخ الكار في لقائه مع «تشرين» كيف تطورت هذه الحرف منذ زمن المعلم الأول الدمشقي جرجي بيطار مبتكر هذه الحرفة وكيف ساهمت غوطة دمشق بأخشابها الغنية بالألوان بإلهام الحرفيين بالمزيد من الإبداع.
وقال عربش: غوطة دمشق غنية بالأخشاب من خشب الجوز والمشمش والسرو والكينا والزيتون والحور، ولكل من هذه الأخشاب لون مميز يختلف عن الآخر، وتعد أهم مصدر للمواد الأولية المحلية وتساهم في عمل نقوش هندسية واضحة للعيان تبعاً لألوان الخشب المستخدمة.
وأضاف: إن رسمة الموزاييك تشكل من أخشاب الغوطة في أغلبها والبعض يعتمد على الاستيراد، لكن تكاليفه مرتفعة، موضحاً أنه بشكل عام اعتماد الحرفيين على الأخشاب المحلية.
أما عن المستورد فهو فقط للأخشاب التي تدخل في صناعة الموبيليا مثل خشب الزان والبادوك والجوز.
وأوضح عربش مسيرة تطور الحرفة من جيل إلى آخر وكيف جابت العالم وحصدت الإعجاب ودخلت قصور السلاطين والملوك واحتلت أركاناً مميزة في أهم متاحف العالم.
كما تحدث عن إبداع الحرفيين في إنتاج أجمل وأبدع القطع من الموزاييك وبعضها مطعّم بالأصداف البحرية، ويستذكر حصوله على المركز الأول في الهند بمعرض سراج كونت الدولي متقدماً على ٣٣ دولة في العالم عن حرفة موزاييك الخشب ومدى شعوره بالفخر وهو يرفع علم بلده على منصة التتويج.
وأسف عربش للحال التي وصلت إليها حالياً حرفته مع قلة المردود وعزوف الجيل الجديد عن تعلمها، موجهاً الدعوة لجميع الشباب الراغبين بتعلم هذه الحرفة ولديهم الموهبة لتعليمهم وفتح أبواب ورشته وإعطائهم كل تفاصيل هذه الحرفة وتبنيهم بشكل كامل.
وقال عربش: جاهزون لنقدم كل المعلومات والتدريب الصحيح في ورشاتنا لنؤمن لاحقاً على حرفتنا ونوصلها لأبنائنا ثم أحفادنا من بعدنا.
وعبّر عن تفاؤله بتعافي سورية قريباً، مؤكداً أن الصمود الذي بذله الحرفيون خلال سنوات الحرب كان بدافع وطني، حيث كان الحرفيون يتسابقون للمشاركة في المعارض الداخلية والمناسبات الوطنية تأكيداً على قوة سورية وأنها بلد لا يموت مهما كثرت المؤامرات والمحن.
وختاماً يدرك حرفيو الموزاييك أهمية حرفتهم الوطنية والحضارية والاقتصادية ويحافظون عليها جيداً، فالموزاييك الخشبي ابتكر في دمشق على يد الحرفي جرجي بيطار ثم انطلق إلى العالم قادماً من دمشق ولم يكن بحاجة إلى هوية أو بصمة تعريف ومجرد رؤيته في أي بلد في العالم يقال: هذا هو الموزاييك الخشبي الدمشقي السوري.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار