لأجل الحياة

ثلاثُ قطراتٍ للعيون، ومشدّ للذراع، وعلبة فيتامينات، هذه الوصفة ليست لجدتي ولا لأمي، بل لي أنا، وعمري اليوم 37 عاماً. وحتى لا تختلط عليّ مواعيد أيٍّ منها، ألصقت الوصفتين الطبيتين على باب الخزانة، لأراها كيفما التفت.
تذكرتُ دعايةً قديمة للبرادات كانت تقول : (أربعون عاماً نزداد شاباً)، وأخرى لشركة سيارات (لم نجد من يُنافسنا، فنافسنا أنفسنا)، واكتشفتُ ما هو معروفٌ أصلاً، الآلات ستبقى، ومصيرنا نحن الفناء، فمنذ سمعت هاتين المقولتين، توزّع الشيب في مقدمة رأسي، وزرت عدة أطباء لعلاج آلام الكتفين والرقبة، بعد أن نجحتُ في مواصلة العمل ليلاً ونهاراً (فقط)، وفي اليوم التالي عجزتُ عن استخدام يدي لأغسل وجهي.
لم أشعر بأنني كبرتُ في العمر، أبداً، ربما لأن شكلي لم يتغير منذ كان عمري 18 عاماً، وهو أمرٌ أُحسد عليه، هذا ما قالته إحدى الصديقات ممن اعتادت صبغ شعرها شهرياً، وكان عمرها آنذاك 28 عاماً، كما إنها لجأت مؤخراً إلى حقن البوتوكس في الجبين وحول الفم، عدا عن ذلك، اعتدتُ التعامل مع مفردات على مبدأ (خالة، عمة)، بحسن نية، ولا سيما من سائقي السرافيس والإخوة الركّاب.
لن نزداد شباباً بعد الأربعين، وعلى الأرجح سنفقد رغبتنا بالتنافس مع الآخرين، نحو الحروب اليومية مع النفس، الأمر محتوم، وليس سيئاً كما يظن أحدنا قبل مرحلةٍ معينة من حياته، ومن المفارقة ربما أن هذه المشاعر ليست حكراً علينا، العلماء لم يصنعوا الروبوتات لتأخذ مكاننا فقط بل لتشعر مثلنا، لذلك فعلوا جهدهم لتتألم وتغضب وتحسد، وابتكروا لذلك نظاماً عصبياً معقداً وأدمغة مركّبة، جعلتها في النهاية تعاني.
ما الجميل في المعاناة والتقدّم في العمر وتكرار زيارة الأطباء، وقراءة المزيد عن معالجة الغضب بالكتابة؟. نحن نمرّ في التجارب، نتعلّم، نُخطئ، نقع، نبكي، أليست هذه الحياة؟، بلى، الحياة ما عايشناه، حلمنا به، تحقق أو لم يتحقق، وفي كل يوم، الحياة تستحق أن نفعل شيئاً لأجلها.