الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد
تشرين- هبا علي أحمد:
أذعن الديمقراطيون أخيراً لقبول نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس كمرشحة للانتخابات الأميركية بعد تنحي الرئيس جو بايدن، هذا الإذعان لا يأتي من قبول حقيقي بقدر ما ينم عن حجم الضغوط التي يتعرض لها الديمقراطيون، والحاجة لترتيب البيت الداخلي لهزيمة المنافس الجمهوري الرئيس السابق دونالك ترامب، فالديمقراطيون كرئيسهم يمشون بعَرَج قبيل مؤتمرهم العام الشهر المقبل والانتخابات المقررة في تشرين الثاني المقبل.
..على أن حصول هاريس على عدد كاف من أصوات المندوبين الديمقراطيين لانتزاع الترشح لا يحل المعضلة ولا سيما أن الإجابة عن مدى فاعلية هاريس بمواجهة ترامب تبقى غامضة، وخصوصاً أنّها متأخرة في إطلاق حملتها الانتخابية كثيراً، نتيجة الفوضى الأخيرة داخل حزبها بسبب ترشح بايدن ومن ثم تأخره في قرار الانسحاب، بعد سلسلة ضغوط أخذت وقتاً كبيرة.. كما تبقى الإجابة عن حظوظ هاريس بالفوز على ترامب غامضة أيضاً، ولا سيما في ظل الانقسام داخل الحزب الديمقراطي الذي تنتمي إليه.
وفي غمار هذه المعطيات يبدو المشهد محسوماً حتى الآن لمصلحة ترامب.
الإجابة عن مدى فاعلية هاريس بمواجهة ترامب غامضة خصوصاً أنّها متأخرة في إطلاق حملتها الانتخابية بسبب الفوضى داخل حزبها
هاريس والتحدّيات
ربما يستفيد ترامب من عوامل الضعف الكامنة لدى الديمقراطيين وهنا تكمن مهمة كامالا هاريس، إذ يبدو الطريق شاقاً وطويلاً أمامها والقضية لا تكمن فقط في حصولها على ترشيح المؤتمر، بل إن الأهم مدى قدرتها على توحيد صفوف حزبها، فرغم حصولها على أصوات 2471 مندوباً، وهو ما يتجاوز الأغلبية البسيطة اللازمة للفوز بالترشيح في الاقتراع الأول «يذكر أنه لانتزاع الترشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي ينبغي الحصول على 1976 صوتاً» فإن ذلك لا يعني إنهاء الانقسام ولا سيما أن الكثيرين من الديمقراطيين ما زالوا يرفضون هاريس ضمنياً، لكنها في الحقيقة أقل سوءاً من ترامب بالنسبة لهم وهذا ما يجعلهم يغضون الطرف عن ترشحها حتى إن لم يصوتوا لها، إذ إن الديمقراطيين يصطفون الآن لتأييد هاريس لتجنب الفوضى في مؤتمر الحزب الديمقراطي الشهر المقبل، فلا يزال الكثير منهم يحمل ذكرى شيكاغو في عام 1968، وهي المرة الأخيرة التي عقد فيها الديمقراطيون مؤتمراً مفتوحاً، فالعملية المفتوحة ستكون هي التذكرة الأكثر سخونة في السياسة الأميركية منذ عقود، حسبما يرى محللون، كما يدرك الديمقراطيون أن هذا النوع من الفوضى قبل وقت قريب من الانتخابات يعني أن ترامب سيفوز حتماً.
كما أن هناك الكثير من التحديات التي تنتظر هاريس في مواجهة ترامب، إذ حظي تحول الحزب الجمهوري إلى حزب يركّز على العمال وعائلاتهم، والالتزام بإعادة بناء الصناعة الأميركية، بمزيد من الاهتمام، لكن أجندة الحزب الديمقراطي كانت في حالة تغير مستمر.
الديمقراطيون مجبرون على تأييد هاريس لتجنب الفوضى في مؤتمرهم المقبل إذ إن هذا النوع من الفوضى قبل الانتخابات يعني أن ترامب سيفوز حتماً
وعلى سبيل المثال، لا يزال تبني إدارة بايدن السياسة الصناعية، لا يحظى بشعبية كبيرة لدى المستشارين الاقتصاديين في عصر أوباما، ومن المرجح أن تتولى المرشحة الديمقراطية القادمة للرئاسة هذا المشروع من دون إعطاء أي إشارة إلى رؤيتها، وبالتالي سيجد الديمقراطيون أنفسهم مقيدين بمجموعة من الأفكار غير المدروسة وغير المجربة.
وتعهدت هاريس بالفوز في انتخابات الرئاسة، لكنها أقرت بوجود تقلبات من جراء انسحاب بايدن من السباق إلى البيت الأبيض، قائلة لأعضاء حملتها في ديلاوير: على مدى الأيام الـ106 المقبلة، سنعرض برنامجنا على الشعب الأميركي، وسنفوز، مضيفة: لقد حدثت تقلبات، وتختلجنا جميعاً العديد من المشاعر المختلطة حول هذا الأمر.. أود فقط أن أقول إنني أحب بايدن.
وكان الرئيس بايدن قد قرر التنحي عن السباق الرئاسي، معلناً دعمه لنائبته كامالا هاريس.. وفي هذا السياق ذكرت وكالة «رويترز» أن مسؤولي حملة هاريس الانتخابية وحلفاءها أجروا مئات الاتصالات لدعوة المشاركين في مؤتمر الحزب الشهر المقبل إلى دعم ترشيحها، وقالت: إن الاتصالات تهدف إلى منع ظهور منافسين محتملين من الديمقراطيين.
تبادل الاتهامات
على أن المشهد الانتخابي الأميركي يزداد سخونة ولا سيما بعد تبادل الاتهامات بين هاريس وترامب، الذي بدأ منذ اللحظة الأولى لانسحاب بايدن، لتبدو صورة الأمة الأميركية على حقيقتها مفككة ومنقسمة تخضع للتجاذبات الانتخابية، وتتحول المواسم الانتخابية إلى فرصة لإظهار مكامن ضعف الطرف المنافس لخفض حظوظه الانتخابية، إذ هاجمت هاريس في كلمة خلال لقاء حملتها الانتخابية في ديلاوير، ترامب، قائلة: ترامب شخص متورط بقضايا جنائية وتمّت إدانته، ويريد المخاطرة بالحريات التي يتمتع بها الشعب الأميركي، مضيفة: ترامب ومشروعه المتطرف سوف يُضعف الطبقة المتوسطة في البلاد.
ورداً على ذلك، وصف المرشّح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، الرئيس بايدن بأنّه أسوأ رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن هاريس المرشحة للرئاسة أسوأ بمليون مرة من بايدن، معقباً بأنّها ليست بقوّة ترامب، ودعا دي فانس هاريس إلى الانسحاب، بحجّة أنّها خدعت الأميركيين بشأن قدرة جو بايدن العقلية على أن يكون رئيساً وكذلك بشأن ترشحه للانتخابات.
آخر الاستطلاعات
أفادت تقارير بأن نتائج أول استطلاع للرأي أجري بعد انسحاب بايدن، أظهرت تفوق ترامب على هاريس، وأظهر استطلاعان سياسيان أن هاريس ستخسر أمام ترامب إذا تم انتخابها كمرشحة ديمقراطية.
وأشارت إلى أن الاستطلاع الأول، الذي أجرته «أون بوينت بولتيكس» و«سوشال ريسيرش» أظهر أن 51% من المستطلعين يفضلون التصويت لترامب، في حين حصلت هاريس على 43% من الأصوات، و6% لم يعربوا عن ثقتهم بأي من المرشحين، وأوضحت أن الاستطلاع الثاني، الذي أجرته شركة التحليلات «مورنينغ كونسلت» أظهر أن 47% من المشاركين يفضلون ترامب مقابل 45% لهاريس.
هاريس لن تحضر خطاب نتنياهو أمام الكونغرس لكنها تخطط لاجتماعٍ منفصل معه
هاريس ونتنياهو
طبعاً لا يختلف الرؤساء الأميركيون على دعم كيان الاحتلال الغاصب، بل يتسابقون على من يدعمه أكثر ويقدم له صفقات الأسلحة لممارسة إجرامه بحق الفلسطينيين والمنطقة عموماً، ففي عهد ترامب اعترف بالقدس الشريف «عاصمة» للكيان، أما في عهد بايدن فإن العدوان على غزة أكبر شاهد على الدعم الأميركي، بينما هاريس المرشحة تنوي لقاء رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في زياراته القائمة إلى واشنطن، وكشفت شبكة «سي إن إن» الأميركية أنّ هاريس لن تحضر خطاب نتنياهو أمام الكونغرس غداً، مضيفة: مع رفضها حضور خطابه، فإنّ هاريس تخطط لاجتماعٍ منفصل مع نتنياهو، وفي هذا السياق صرّح مساعد هاريس بأنهما سيلتقيان بشكل منفصل في وقت لاحق من هذا الأسبوع، مشيراً إلى أنّ هذا الحدث حُدّد مسبقاً.
ولفتت «سي إن إن» إلى عدم الإعلان عن موعد لقاء هاريس ونتنياهو، موضحةً أنه سيكون منفصلاً عن اجتماع بايدن المقرر مع نتنياهو، ورأت الشبكة أنّ قرار هاريس عدم حضور الاجتماع المشترك، مؤشر إلى العلاقة المتوترة بين إدارة بايدن ونتنياهو، في وقت تسببت فيه الحرب على غزة بردود فعل عنيفة متزايدة من اليسار.
وعلى العموم من الصعب معرفة ما قد يحدث بالفعل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكما شكل فوز ترامب 2016 مفاجأة قد يُشكل فوز هاريس المفاجأة ذاتها، بمعنى كل السيناريوهات واردة في المشهد الانتخابي الأميركي.