التقييم والتقويم وإلّا فالتغيير
يجهد كلّ من يتم ترشيحه لتولّي إدارة إحدى الجهات العامة لأن يظهر متحمساً حازماً عازماً لجهة تغيير نهج العمل وتطويره باعتماد خطط ورؤى خلّاقة، وعلى ما يبدو أن البعض يثابر على حفظ مثل هذا السيناريو والتدرب عليه ليجيد تمثيله أمام الجمهور من حوله وأصحاب القرار، للإيحاء بأنه الأقدر على مسك زمام الأمور من بقية المرشحين، بل وتجده يتوعد بقلب الطاولة على الفاسدين، وخاصةً إذا كان ابن الجهة نفسها والعارف بدهاليز لجان شرائها وألاعيب متعهدي مشاريعها.
وبعد أن يستقر الرأي على التعيين ويصدر القرار، يلاحظ أن منهم من لا يوجه في البداية سوى بإجراءات شكلية من قبيل إعادة ترتيب أثاث المكتب أو تجديده والنظر بتعزيز جاهزية سيارات خدمته مع اختيار السائقين الأكثر طاعةً وحفظاً للأسرار، ومن دون تنفيذ أي رؤى أو أفكار كان يعد بها لتطوير واقع العمل، أو اتخاذ إجراءات تحاسب أفراد منظومة الفساد أو حتى تستبعدهم من مواقعهم.
والمسوغات التي يروجها إزاء تراخيه أو تأخره، هي أنه لن يتسرع باتخاذ قرارات جريئة حتى يتمكن من الإمساك بجميع مفاصل العمل ويتعرف إلى نقاط ضعفه وقوته، معتبراً أن سحب البساط من تحت المنتفعين أصحاب المصالح الخاصة، ينبغي أن يتم بروّية لتفادي أي ارتدادات تخريبية منهم قد تؤثر بانطلاقة مشواره الإداري، فيبدو وكأنه فاشل وسيفشل العمل.
لا بأس لو مرت ستة أشهر مثلاً وتمكن من حيثيات العمل وبدأ بقرارات جريئة تصحح مساره وترتقي به وتحيد الفاسدين عنه، لكن أن تمر سنة واثنتان أو تكاد تنقضي فترة تولّيه منصبه والأمور باقية على حالها، فهذا مؤشر على أنه إما ضعيف غير قادر على تحمل المسؤولية أو أنه لبس “قبعة ولحق ربعه” وانخرط بمنظومة الفساد.
المشكلة أنه لا تقييم دورياً فعالاً لمستوى أداء إدارات معظم الجهات، لذلك تجد من يتّسمون بضعف الإدارة والترهل وتدنّي الخبرة المهنية والفنية مستمرون في مواقعهم لسنوات عديدة وكأن شيئاً لم يكن، بالرغم مما يرتبه ذلك من انخفاض مستوى الأداء ومراوحة العمل في المكان أو حتى تراجعه، ناهيك بحالات عدم القدرة على تحصين المال العام ضد التعدي عليه وسوء توظيفه وهدره بلا طائل أحياناً، والتي تمر من غير متابعة لصيقة أو تدقيق حقيقي أو محاسبة صارمة.
وهنا يأتي التساؤل المهم: هل ستدوم حالات الضعف والترهل والتقصير والفساد إن وجدت طويلاً، وخاصةً أننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة لاستنهاض جهاتنا العامة والارتقاء بخدماتها وإنتاجها وتوظيف جميع إمكاناتها المتاحة بشكل سديد بعد سنوات من التراجع بسبب ظروف الحرب، أم هناك أمل بتقييم دوري ورقابة فاعلة لوضع الإدارات وآليات العمل على سكتها الصحيحة؟ علماً أنه في حال استعصاء التقويم بعد التقييم فالاستبدال بلا تأخير يصبح واجباً.