أكثر من مليار شخص يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة.. سورية اعتبرتها قضية وطنية وأقرّت خطتها في هذا المضمار بأربعة محاور استراتيجية

دمشق- تشرين:

أحدث اعتماد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2006 تحولاً فكرياً في السياسات الدولية المتعلقة بالإعاقة- فحتى نهاية آذار 2023 بلغ عدد الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة /186/ دولة من أصل /193/ دولة حول العالم- أما التحول الحاصل في مفهوم الإعاقة عالمياً فهو في انتقال التعاطي مع هذه القضية من المقاربات الطبية التي تركز على الفرد وحالته إلى فهم الإعاقة من منظور التفاعل بين حالة الفرد والبيئة الاجتماعية والمادية المحيطة به، وبالتالي تم التوافق على أنّ الحواجز في المواقف والبيئات المُحيطة هي التي تحول دون استثمار مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة مشاركة كاملة وفاعلة في مجتمعهم على قدم المساواة مع الآخرين.

ويأتي هذا بعد أن فرضت قضية الإعاقة نفسها بقوّة، وأصبحت تُمثّل أحد أهم التحديات التي تواجه الحكومات في العالم بمختلف المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية منها، حيث إنه وحسب الإحصائيات العالمية، يعيش أكثر من مليار شخص، أي ما يقارب 15% من عدد سكان العالم، مع شكل من أشكال الإعاقة.

ونتيجة لارتفاع هذه النسبة كان الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة يتزايد عالمياً، وقد ترافق ذلك مع تغيّر مهم في المفاهيم الأساسية المتعلّقة بالإعاقة عبر الزمن وتطورت نُهج التعامل مع الإعاقة من النهج القائم على الإحسان إلى النهج الطبي والنهج الاجتماعي وصولاً إلى إيجاد رؤية واتجاه مُختلف وجديد في مُقاربة المسائل المتعلّقة بالأشخاص ذوي الإعاقة عندما تم اعتماد النهج القائم على حقوق الإنسان، الذي يمثل المبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة CRPD.

مليون طفل
تشير الإحصائيات إلى أن مليون طفل في العالم هم من ذوي الإعاقة، وأن الأطفال ذوي الإعاقة أكثر عرضة للعنف 4 مرات من غيرهم من الأطفال.

الإحصائيات تشير إلى أن مليون طفل في العالم هم من ذوي الإعاقة

كما يقلّ احتمال ارتياد الأطفال ذوي الإعاقة للمدرسة إلى حد بعيد مقارنةً مع غيرهم، ولأن الإعاقة حسب المنظور العالمي هي جزء من الحالة الإنسانية، حيث إن كل شخص تقريباً سوف يُصاب بضعف مؤقت أو مستمر في مرحلة ما من حياته، والذين سيبقون حـتى الشيخوخة سيواجهون صعوبات متزايدة في تأدية وظائفهم، تم التوجه للتعاطي مع قضية الإعاقة على أنها قضية تنموية، وإذا تم التعاطي معها بالطريقة الصحيحة يمكن إحداث تغيير إيجابي في البناء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وذلك باستثمار الطاقات البشرية الكامنة لدى الأشـخاص ذوي الإعاقة للمشاركة في عملية التنمية باعتبارها قوة إنتاجية هائلة إذا تمّ التخطيط لها علمياً وعملياً بما يتماشى وقدراتهم بدلاً من أن يكونوا عبئاً على المجتمع.

قضية وطنية
لطالما كان التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة في سورية من منطلق الثقة بدورهم وأهمية مساهمتهم في المجتمع وفقاً لإمكاناتهم، هو أحد المبادئ الأساسية التي يتم التعامل بها معهم من المجتمع الأهلي والجهات الحكومية المعنية بالقضايا المرتبطة بهم، ومع صدور قانون “المعوقين” رقم 34 لعام 2004 في سورية، تم تبني الرؤية والاتجاه الشائع في حينه في مقاربة بعض المسائل المتعلقة بالإعاقة، وكان إقرار الحكومة السورية “الخطة الوطنية لرعاية وتأهيل المعوقين” بعام 2009″ ومحاولة إطلاق البرامج التنفيذية لفعالياتها دليلاً عملياً على جدية التعاطي مع هذه المسألة.. ليأتي التطور الأممي النوعي في مقاربة مسألة الإعاقة بعد تبني اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) وصدور التقرير العالمي حول الإعاقة وما يوفر ذلك من دليل للسياسات والبرامج بما يمكن من تحسين نوعية حياة الأشخاص ذوي الإعاقة.

التدابير القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها دول غربية على سورية أدت إلى تراجعٍ بنوعية وجودة الخدمات الخاصة بذوي الإعاقة وعرقلت حصولهم على المُستلزمات الأساسية

ولم تكن مصادقة سورية على اتفاقية الأمم المُتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري الملحق بها عام 2009، نقطة انطلاق تغيير المفاهيم الأساسية تجاه هذه الشريحة من المجتمع، بل كان الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة في سورية حتى قبل إصدار القانون 34 لعام 2004، إلا أنه كان أحد الإجراءات التي ساهمت في حشد الجهود لجعل قضية الإعاقة إحدى الأولويات لدى كل القطاعات.

ولكن الحرب على سورية في عام 2011 واستمرارها، كان لهما أثر سلبي كبير سواءً بشكل مباشر أم غير مباشر على تردي أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف المجالات وعلى مختلف المستويات-كغيرهم من بقية شرائح المجتمع- وما أسفرت عنه هذه الحرب من تزايد الإعاقات المُكتسبة والمُركّبة لتأتي التدابير القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها دول غربية على سورية وأدت إلى تراجعٍ في نوعية وجودة الخدمات الخاصة بذوي الإعاقة وعرقلت حصولهم على المُستلزمات الأساسية كالأطراف الاصطناعية، والكراسي المتحركة، والتجهيزاتٍ الطبيّة، ما فاقم من معاناتهم.

اعتمدت سورية استراتيجية وخطة عمل وطنية للإعاقة تلائم التغيرات المهمة في الواقع السوري

كل ما سبق لم يمنع الجهات المعنية (الحكومية والأهلية) من العمل على تطوير استراتيجية وخطة عمل وطنية للإعاقة تعتمد مفهوم الإعاقة والنهج المعتمد على حقوق الإنسان، وتلائم التغيرات المهمة في الواقع السوري وما يستلزم ذلك من مراجعة في مقاربة هذه المسألة لاسيما في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، حيث تم إقرار الخطة الوطنية للإعاقة التي تضمنت /4/ أهداف استراتيجية هي: تطوير القدرات المؤسساتية وتعزيز أداء القطاع وفاعليته، وتطوير وتعزيز تقديم الخدمات الصحية والتأهيلية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة ومراقبة آلية تنفيذ البرامج وتقييمها، ودعم مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف نواحي الحياة، وأخيراً تسهيل وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للخدمات العامة، حيث جاءت هذه الخطة لتؤسس لانطلاق العمل في عملية الدمج الشامل للأشخاص ذوي الإعاقة في سورية، وتحقق خطوة متقدمة باتجاه التنمية المستدامة، مع التأكيد أنه لطالما كانت الجهات الأهلية فاعلة ومبادرة ومساهمة مع الجهات الحكومية في السعي للسير بخطوات واضحة وثابتة باتجاه ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والوصول إلى مجتمع دامج لهم بما يضمن استثمار مساهمتهم في تنميته.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار