مسرحية “الثعلب والعنب” توقظ الأسئلة الكامنة فينا!
ضمن فعاليات وزارة الثقافة احتفاءً باليوم العربي للمسرح، قدمت مديرية المسارح والموسيقا، مؤخراً، عدداً من المسرحيات في مختلف المحافظات السورية، وكان لدمشق حصة جيدة في تقديم المسرحية الفائزة بجائزة أفضل عرض مسرحي في السويداء والتي قدمتها في مسرح الحمراء فرقة السويداء للفنون المسرحية “الثعلب والعنب” .
المسرحية التي تحمل الاسم من الأدب العالمي للأديب البرازيلي “غيليرمي فيجيريدو” تروي لنا حياة “إيسوب” العالمية الشهيرة في حكاية كتبها إيسوب.
الحكاية التي دخلت بأمثالها وقصصها الفلسفيّة لتصبح جزءً من ثقافتنا الحياتية، تلقي الضوء على الصراع الأزلي بين العبودية والحرية بمفهومها المتشعب، فـ”ايسوب” كان هدية السيد النبيل “اكسانتوس” لزوجته الجميلة “كلايا” (قامت بدورها الممثلة ايناس الغوثاني) والتي تسلل الضجر إلى قلبها حتى ما عاد شيء يفرحها، لكن هدية زوجها المختلفة هذه المرة كانت عبداً دميمَ الوجه، متقد الذهن، حر النفس، يملك من الحكمة ما أذهل “كلايا” وأدخلها في دوامة من التساؤلات عن الحياة والسعادة والمعنى الحقيقي للحرية، فهي سيدة القصر لكن خادمتها “ميليتا” (أدّتها أماني أبو عساف) تنعم بالحرية أكثر منها ولا تبدل حياتها هذه بأن تغدو حرة!.
وفي العودة إلى ايسوب (قام بدوره الممثل سامر عزام) نجد جوابه الذكي حاضراً عن كل سؤال، وقصصه المسليّة تنضح حكمة، ما أثار إعجاب “كلايا” التي كانت تعتقد انها ستقع بحب الجنرال الوسيم “اغنوستوس” –القادم من الغرب- لتجد قلبها يميل إلى جمال روح ايسوب وشجاعة نفسه ورقة روحه، فتقع في حبه، فيتمنّع. تهدّده بأنها ستشكوه إلى سيده كي يجلده، لكن “اكسانتوس” (قام بدوره رائد السمّان) لم يُعِر شكوتها هذه اهتماماً فقد كان مشغولاً بالمصيبة التي أوقع نفسه بها في لحظة ثمل، إذ راهن الجنرال بأنه قادر على شرب ماء البحر بأكمله وإلا فإنه سيتنازل عن قصره وكل أملاكه للجنرال، وهنا يلجأ النبيل إلى العبد الدميم ويرجوه أن ينقذه من مأزقه.
مشترطاً حريته، يخرجُ “ايسوب” بالحل العبقري وهو أن النبيل وعد بشرب ماء البحر فقط لا الأنهار التي تصب فيه، فإذا استطاعوا فصل مياه الأنهر عن البحر فسيشربه بكل سرور، فرحاً بالحل العبقري أمر “اكسانتوس” عبده الحبشي الجلف والمتعطش للقتل بجلد “ايسوب” ناكثاً بوعده له بالحرية، ولكن تحت ضغط “كلايا” والجنرال، اضطر النبيل أن يُعتق نبع حكمته، متظاهراً أنه لم يعد يهمه وأنه لم يعد إلا إناءً فارغاً لا شيء فيه يروي الظمأ، وهنا يحكي لنا “ايسوب” قصة الثعلب الذي جاء دالية العنب جائعاً عطشاً، وحين لم يستطع الوصول إليها قال أنها مجرد حصرم.
لم يكد “ايسوب” يفرح بحريته حتى اتهمه الكهنة بسرقة كأس ذهبي من المعبد، وكانت عقوبة الأحرار الموت في وادٍ سحيق، أما عقوبة العبد فيقررها صاحبه، وهنا تتدخل “كلايا” راجيةً “ايسوب” بأن يمزق صك حريته ويعود عبداً لينقذ نفسه من الموت، لكن “ايسوب” اختار أن يموت حراً على أن يعيش عبداً ذليلاً.
المسرحية التي قادت الأدب البرازيلي إلى العالمية، ترجمتها لنا المخرجة “ليال الهادي” في عملها السادس إخراجياً بعد “سكوريال” و”سكن الليل” و”كنا معاً” وغيرها باحترافية عالية، حفرت في أنفسنا كل قصة معبّرة رواها “ايسوب” وكانت أول عمل ينصف الشخصية الرومانية الحقيقية، التي اشتهرت بكتابة القصص الفلسفية الساخرة “خرافات ايسوب”، وذلك بجعله يموت بطلاً وهو ما يليق بمكانة “ايسوب” في التراث الإنساني، لكن القصة بقيت فقيرة من حيث دعمها بالديكور والموسيقا اللذين لم يبرزا كعنصرين فاعلين في الحكاية كما تستحق، بل القت بثقلها كاملاً على أداء الممثلين المتقن، فالأداء الاحترافي العالي لممثلي فرقة السويداء، كان بمستوى الحكاية العالمية، إذ تركتنا الفرقة ونحن نطرح على أنفسنا أسئلةً وجوديّة عظيمة، ما هي الحرية؟ وهل هي أغلى من الروح الإنسانية؟ وهل الفطنة والحكمة تحيل الدميم جميلاً وتجعله صياداً محترفاً لقلوب البشر؟ وهل يقوم المثقف بدوره الإنساني الحقيقي في إنقاذنا مما نحن فيه من دوامة المفارقات الحياتية الموحلة؟! وهنا ينجح المسرح مجدداً في ايقاظ الأسئلة الكامنة داخلنا وإجبارنا على التفكّر والبحث عن الإجابات.