قراءات تعوق الخيال!
للوهلة الأولى، تبدو عبارة الكاتب والمحلل النفسي الفرنسي “بيير بيارد” حول كثرة القراءة التي تعوق الخيال، صادمةً جداً، لكن ديدان الكتب غالباً ما ينشغلون بأخيلة الآخرين متناسين كتابة خيالهم الخاص, فالعملية هنا تبدو كشحذ مستمر لسكاكين المخيلة المتروكة بلا استعمال، حتى تفنى بعامل الاهتراء من المبارد التي تنهال عليها يومياً من أغلفة الكتب التي لا يحسنون انتقاءها أيضاً, وإذا قال العرب يوماً إن فلاناً قرأ أمهات الكتب، فهذا يعني عدم لزوم أبناء خالاتها وعمومها، فالأمهات جديراتٌ بتولي المهمة إذا ما أحسن المرء الانتقاء!.
كثيراً ما تتسبّب القراءة، بانحراف الأساليب، خاصةً عند الكتّاب المبتدئين, أو إنها في أقل تقدير تصيب تجربتهم بالتهجين، فتؤخرها وتضع العصي في دواليب المخيلات وهي تحاول أن تكرج على السطوح البيضاء محاولة أن تعثر على بصمتها المختلفة, إنها الحالة المناقضة لما سماه بورخيس سعادة القراءة التي تنتابنا إثر كل كتاب نغرق فيه, فإذا انتفت السعادة، كانت القراءة إعاقة يجب الخلاص منها من دون تردد.!
كائناتُ الكتب تتجول يومياً في فناء البيت بعد أن يخلد القراء للنوم, شخصيات الروايات تصنع القهوة في المطبخ، وبعضها ينزل عن الرفوف كي يفترش أرض الصالون, آخرون يطلون من خلف الشبابيك على الكون الموازي الذي صنعهم، فيحدقون غير مصدقين ما يرون! الكتب بهذا المعنى تحمل حيوية غير متساوية فيما بينها، والدليل هو وجود كتب يعتمرها الغبار لأنها لا تترجل وتتجرأ على مغادرة صنايق المكتبة المسيجة بالبلّور!.
مع الوقت، ستختلف طقوس القراءة، ولن يكون هناك وقت لالتهام هذا الكمّ الهائل الذي تتدفق به بَكَرَات الرول ومكتبات «البي دي إف»، وسيكون هناك كتب تعوق الخيال أكثر, ربما يصنعون ملخصات للكتب خالية من الحشو والهوامش المستفيضة التي أقحمت في النص, عندها، سيأخذ العالم بنصيحة بيير بيارد حول كيفية الحديث عن كتب لم نقرأها ولا يفترض أن نفعل، لأن ذلك سيكون مجرد إلهاء لمخيلاتنا وهي تحاول تنقية الشوائب لاستخراج مائها الخاص.
«إذا كنت لا تحب القراءة، فأنت لم تجد المناسب بعد»”، تقول الكاتبة البريطانية جوان رولينغ. وهذا يعني أنك تورطت يوماً بكتاب يعوق الخيال، فأحجمتَ، وانهارت مخيلتك بدل أن تزدهر!.