حتماً لن أتحدث عن التقنين، وساعاته، وأضراره، ونتائجه، فقد حفظنا الدرس ونحن أكبر من أن نعتقد بوجود آلة السفر بالزمن، ونعلم جيداً مشاكل الشحن، والعقوبات، وشح مواد التوليد، بل ونُدرتها، (على سيرة النُدرة.. أهدي أغنية المطربة سهام ابراهيم (نادرة يالأسمراني) لوزارة الكهرباء والقائمين عليها، ).
لن أتحدث عن كل ذلك، فقد اقتنعنا بالموجود والمتاح، لدرجة أنه صار بالإمكان تعيين أي مواطن سوري في قسم القطع والوصل، وكونوا على ثقة تامة بأنه سيقطع الكهرباء عن أولاده في اللحظة التي تنتهي بها حصته من الوصل، بل وقد يقطعها قبل ذلك، حرصاً على موارد الوطن والمواطن. يا سيدي وأكثر من ذلك، لقد أصبحنا نشعر بآلام المحوّلات التي تخرج من الخدمة، والأبراج التي تُستهدف، والناقلات التي تُقصف،
ما سأتحدث عنه هو من ضمن المتاح، والمباح، يا ورق التفاح، وهو التحكم بساعات التقنين وتوزيعها بشكل… توقعتم أن أقول بشكل عادلٍ أليس كذلك؟ أبداً.
بل أن يتم توزيع حصتنا التي تقل بشكل مضطرد بشكل مفيد، بشكل ينفع طلاب المدارس صباحاً، وسيدات المنازل ظهراً، والعشاق ليلاً، هل هذا كثير؟ هل هذا مستحيل؟
ما حاجتنا إلى الكهرباء في أوقات لا يتواجد فيها الموظفون في منازلهم؟ أو لا تنفع ربّات المنازل في تجهيز الغداء قبل عودة الأبناء والأزواج من العمل؟ تنفع مَن؟ وخاصة خلال فصل الشتاء، فما حاجتنا لساعة الوصل؟ إن لم نتناول غداءنا ساخناً، وليس طازجاً، أي إن لم نستطع تسخينه قبل تناوله؟
وبما أننا اعتدنا على طرح السؤال ومن ثم الإجابة عليه، وهذا ما تقتضيه “صحافة الحلول” كما يظن بعض المروجون لها، سنجيب عن هذا السؤال أيضاً:
ما يحدث هو أن القائمين على الكهرباء، صار همهم الأكبر منذ فترة ليست بعيدة، هو الحفاظ على الشبكة التي أخبرونا بالتلميح والتصريح بأن انهيارها ممكن وجائز، لذا فالحفاظ عليها صار هو الأولوية، أي أن قائمة الأمور التي تسير بالمقلوب، زادت “أمّور”، وهو أننا صرنا بخدمة الشبكة، بدلاً من أن تكون هي بخدمتنا.
أما المشكلة الحقيقية، فهي الخوف من التعتيم العاااااام (رجاء اقرؤوها كما وردت: عاااااام وليس عام، وكأنّ أربع ساعات وصل أو ثلاث، وفي بعض المناطق ساعتين خلال اليوم بأكمله، ليست تعتيماً عاماً.
إن كان كذلك، فأنتم لا تعرفون، يا سادة.. إن عتمة قلوبنا أكبر من أن يزيدها أي شيء في العالم، فافعلوا ما تشاؤون.