حين طُلب مني منذ أيام أن أكون أحد كتّاب «قوس قزح»، لم يخطر ببالي سوى الأستاذ الكبير والعم العزيز وصديق والدي وزميله القديم وليد معماري، فتهيّبتُ، يا الله.. ما هذه المسؤولية؟ مَن أنا لأفعل؟ لكن في أسوأ كوابيسي، لم أتخيل أن مرّتي الأولى، ستكون أول قوسٍ بعد رحيل نجم (قوس قزح) الذي لم يخبُ منذ أكثر من أربعة عقود.
مشاعري الآن وأنا أكتب مختلطة، تتجاوز الحرص على الإجادة وحُسن التعبير، فأنا أشعر بأنني أول من تجرأ على ارتداء ثياب الميت، والنوم في سريره، والجلوس في ركنه المعتاد، وأتعامل مع هذا المربع وكأنه ميراث، أعدُّ الكلمات وأرتبها وكأنها مالُ يتيمٍ سأحترق في جهنّم إن عبثتُ به، هذا ما تفرضه الأخلاق والمهنية أياً كان المتوفى، فكيف إن كان وليد معماري الذي أنفق عمره كاملاً ليتحدث عن الأيتام والفقراء والمقهورين والمطحونين؟
الأستاذ وليد لم يكن صحفياً وكاتباً وقاصاً ومثقفاً فقط، بل كان الرجلَ الذي بإمكانك أن تضمن في حال وقوفك في صفّه، أنك في صفّ الحق، والمحبة، والإنسانية، والدماثة والطيبة، وليد معماري شعرَ مبكراً بجرح هذي البلاد وأهلها، وبعبثية تناول مهنة الصحافة فيها بجديّة، فحاول تضميد الجراح بحكايات بسيطة أبطالها نحنُ، وبطرفٍ يضحك لها الكبير والصغير، وكان يعلمُ أين تنفع الحكاية، وأين تنفع الطُرفة، ومتى علينا أن نضحك، ومتى علينا أن نشاركه بكاءه الذي لم يتوقف مذ أدرك أنّ عليه الكتابة بدلاً من ملايين المقهورين وعنهم.
أن تكونَ ملهِماً لآلاف الكتاب، لعشرات آلاف الشغوفين بالكتابة، لملايين القراء، فهذا وحده يشرحُ من هو وليد معماري وماذا فعل.
أن ينسى كلّ الناس، كلّ من كتبوا في (قوس قزح) وهم كثرُ، وينسبونها لشخص واحد، ويجمعون تقريباً على فكرة أن قوس قزح صار بلا ألوان، أو صار رمادياً، هذا يشرحُ من هو وليد معماري وماذا فعل.
أن يتوقف الكثير الكثير من رواد مواقع التواصل عن الحديث عن مئات المشاكل، وتتوحد المنشورات التي تنعي رجلاً واحداً بحزنٍ حقيقيٍ وحسرةٍ واضحة، هذا يشرحُ من هو وليد معماري وماذا فعل.
أن يُجمع على نعيكَ الذين لم يُجمعوا على مفهوم الوطن، هذا يشرحُ من هو وليد معماري وماذا فعل.
وليد معماري.. أحباؤك ذوو الدخل المهدود، والمواطن عفتان ابن هفتان، والمواطن منحوس ابن متعوس، صاروا أيتاماً بعدك، ويقرؤونك السلام حيثما أنت.
عمّي أبو خالد.. سامحني إن تجرأتُ ووضعت كلماتي حيث كنتَ تضعُها ولستُ أهلاً لهذا، لكن يشفعُ لي ويواسيني، أنني أقنعت نفسي بأنني أكتب في (قوس قزح) جديد، بألوانٍ لم تشرف على ترتيبها، لكن وبكل صدقٍ، سيؤلمني إلى الأبد، أنك لم تقرأها.