سورية واتفاقية المقايضة والمقاصة؟
يشهد العالم سرعة في تغير وتغيير المفاهيم والإجراءات الاقتصاديّة، وتترافق هذه مع تغير في مواقع الدول والتحالفات الفاعلة على الساحة العالمية بشكل عام، والاقتصادية ومن ثمّ السياسيّة بشكل خاص، وكان آخرها الصفقات الاقتصاديّة الكبيرة التي تمّ وسيتمّ تنفيذها على آلية أو آليات جديدة وقديمة بدأت تنتعش في العرف الاقتصادي العالمي، وأقصد بذلك تجاوز (الفوترة الدولارية) التي ترسخت سنة /1944/ وتحديداً بعد اتفاقية (بريتون وودز) في ولاية (نيوهامشر) الأمريكية، ومن هذه الصفقات صفقة روسيا مع إيران ومع الصين وجوهرها تعزيز التبادل التجاري بينها عبر نظام سداد القيم المترتبة على ذلك بسلع وليس بالدولار، والآن نشهد العودة إلى عقد صفقات كبيرة بين (روسيا والهند) وتوقيع حوالي /10/ اتفاقيات من الرئيس الروسي ورئيس مجلس الوزراء الهندي، وتم الاتفاق على أن يكون السداد على مبدأ (اتفاقية المقاصة)، وسيتم تسديد قيم التبادلات الاقتصادية للسلع والخدمات بينهما عبر تسوية الحسابات عن طريق (غرفة المقاصة) الموجودة في البنكين المركزيين للبلدين، وجوهر ذلك كما يلي: «يتم ترصيد الحسابات بين الدولتين (الدائنة والمدينة) وبعملة البلدين أي بالروبل والروبية، ومن ثم يتم تسجيل رصيد الدائن، ويسدد بسلع من البلد المدين أو بطريقة أخرى يتفق عليها»، وهذا سيشجع دورة العجلة الاقتصادية والنشاط التجاري وتسهيل المعاملات المالية والابتعاد عن الضغوطات والعقوبات الأمريكية وحليفها الاتحاد الأوروبي، ويتم تدعيم التعامل بالروبل والروبية..الخ، وهذا الأسلوب كان معمولاً به سابقاً بين دول المعسكر الاشتراكي وحتى بين سورية وبعض الدول الشرقيّة، ويمكن تطويره ليتناغم ويتناسب مع تطورات المشهد الاقتصادي العالمي والتوسع به على أسس واضحة، ومع توقيع عشر اتفاقيات متعددة الجوانب ولفترة تمتدّ حتى سنة /2030/، وتضمنت الصفقات المعقودة (الفضاء- الصحة ومواجهة وباء كورونا- الأدوية- الأسلحة- الصواريخ وخاصة صواريخ S400 والدبابات من نوع “تي90”- الطاقة- محطات الكهرباء- بناء معامل- إنتاج مقاتلات عسكرية مشتركة FGFA من الجيل الخامس ومقاتلات “سو”- رشاشات كلاشينكوف- الصناعات الجوية والبحرية- الاستثمارات المشتركة..الخ)، فهل يفتح البلدان آلية جديدة للتعاملات الدولية بعيداً عن (الدولار واليورو) وهما عملتان لا قيمة لهما بذاتهما بل تظهر قيمتهما عند التبادل، واقتصادياً فإن التعامل السلعي، أي سلعة بسلعة، هو أكثر أمناً وأماناً واستقراراً، وخاصة أن قائدي البلدين اتفقا على أن يتمّ تطوير التعاون بين البلدين وبعملتيهما الوطنيتين، وبعد هذا سنذكر الملاحظتين التاليتين: «ماذا لو توسعت آلية التعامل بالمقايضة والمقاصة بين الاقتصاديات الناشئة انطلاقاً من روسيا والصين والهند وإيران وجنوب إفريقيا، وماذا لو اعتمدنا في سورية هذه الآلية وخاصة مع الدول الصديقة وأحدثنا بنوكاً خاصة لاستكمال الإجراءات المطلوبة للابتعاد عن الدولار واليورو؟»، ولاسيما أن القمة الهندية الأخيرة ركزت على الحرب على سورية، وأكد الرئيسان على مبادئ الدولة السورية وخاصة دعم السيادة على أرضها، ووحدة الأرض السورية، ورفض كل التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية، وتمت دعوة دول العالم للمساعدة في ترسيخ السلم والأمن والاستقرار في سورية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن دول مجموعة البريكس التي تضم كلاً من (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) تشكل نسبة /26%/ من مساحة العالم و/42%/ من سكان العالم وأكثر من /35%/ من الناتج العالمي، وهنا نسأل بل نتساءل: هل تتفق هذه الدول على التعامل على الأقل بين بعضها البعض خارج إطار سيطرة الدولار واليورو؟ وماذا لو انضمت إيران إلى ذلك؟ وهل من المصادفة أن عملات هذه الدول تبدأ بحرف (الراءR ) وهي كما يلي «الروبل الروسي والرنمبيني الصيني والروبية الهندية والريال البرازيلي والراند الجنوب إفريقي والريال الإيراني»، ويتبين لنا أن بدايات تراجع الدولار واليورو بدأت تترسخ في الأفق الاقتصادي العالمي، فهل نحث الخطا لمواكبة هذه التغيرات وبما ينعكس على اقتصادنا وإعادة الإعمار سورية بشكل إيجابي.