دأبت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومن ورائهما حلف “ناتو” على استفزاز روسيا في أكثر من جبهة ولاسيما في جبهة البحر الأسود، حيث تحول هذا البحر إلى ساحة صراع جديدة منذ اشتعال التوتر بين روسيا وأوكرانيا على الحدود الشرقية لأوكرانيا عام 2014 وما تبعه من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
وبعد أن كان البحر الأسود يشهد هدوءاً تاماً منذ عقود، وبالضبط منذ اتفاقيتي لوزان ومونترو بعد الحرب العالمية الأولى بدأت كل من واشنطن ولندن مسلسل استفزازاتهما لموسكو عندما أرسلت البحريتين الأمريكية والبريطانية سفناً عسكرية إلى البحر الأسود تحت ذريعة إجراء تدريبات ومناورات مع البحرية الأوكرانية، حيث وصل التوتر إلى حافة الانفجار وجعلت موسكو توعز بإطلاق طلقات تحذيرية وقنابل في مسار المدمرة “ديفندر” التابعة لسلاح البحرية البريطانية، وذلك أثناء اختراق المدمرة لمياه روسيا الإقليمية قبالة سواحل شبه جزيرة القرم.
بدورها قامت الولايات المتحدة الأمريكية باستفزاز أكبر بحشد الدول المطلة على البحر الأسود ضد موسكو وبإرسال سفنها العسكرية من أجل المشاركة في المناورات مع دول أخرى من حلف الأطلسي الأمر الذي أثار استياء موسكو ورفع منسوب التوتر في البحر الأسود الذي يمثل أهمية لا متناهية لروسيا في تأمين وصولها إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط وموازنة الوجود الأمريكي والأوروبي في كلا البحرين.
وبينما يحتدم الصراع مع المعسكر الغربي والولايات المتحدة يرجح خبراء ومحللون أن روسيا ربما قد تسعى في ذلك، خاصة مع انكفاء حلفاء أنقرة عن تعزيز العلاقة مع تركيا الدولة المطلة على البحر الأسود والتي بحوزتها أهم المضائق فيه وإذا كانت المنطقة، تستحوذ على أهمية حساسة لدى موسكو، فإنها في الوقت ذاته تمثّل أهمية جيوستراتيجية كبرى للدول الغربية، حيث إن مآلات الصراع في البحر الأسود قد تُحدد مستقبل أوروبا ومستقبل الدول المطلة عليه وصولاً إلى الشرق الأوسط.
ومن جانب آخر لا تتوقف واشنطن وحلفاؤها الغربيون عن اختلاق الأزمات والمشكلات مع موسكو حول وصول الغاز الروسي إلى أوروبا وحول قضية المهاجرين عبر بيلاروسيا وحول قضايا حقوق الإنسان وتعمد إلى تطويق روسيا بقواعد عسكرية بالقرب من حدودها في بولندا ودول البلطيق وتسعى واشنطن من وراء ذلك إلى مشاغلة روسيا كما تشاغل الصين في محاولة لإضعاف الدولتين والعمل لاستعادتها مركز القطب الواحد عالميا الذي فقدته منذ سنوات.