بالقانون ..!
هناك قرارات تصدر للصناعيين وأخرى للتجار، والفصل بين المهنتين عند إعداد القرار ليس لتمييز النشاط الاقتصادي، وإنما لاعتبارات كثيرة؛ بعضها يتعلق بترشيد صرف القطع الأجنبي وعدم المتاجرة به وتالياً رفع سعر صرفه، فضلاً عن توجيه الدعم الذي يقدم للجانب الإنتاجي إلى مستحقيه وهم الصناعيون والحرفيون، وأخرى لمنع الاتجار بالمخصصات الصناعية من مواد أولية مستوردة لمصلحة المنشآت والورشات الصناعية النظامية؛ بهدف استمرار دوران عجلة الإنتاج فيها، والحفاظ على عمالتها؛ بل وزيادتها نظراً لكون هذه المخصصات المستوردة مدعومة بالرسوم الجمركية المخفضة وسعر الصرف الرسمي الذي يدفعه المصرف المركزي للصناعيين والحرفيين المرخصين والمسجلين كأعضاء في اتحاداتهم.
حتى الآن الموضوع في غاية الأهمية رغم أن هذا الدعم الصناعي لا يعود على المستهلك بالفائدة السعرية.. لكن هذا الموضوع؛ هل يتم وفق النص الرسمي للقرارات الصادرة، أم إن الذي يجري على أرض الواقع غير ذلك تماماً؟ .. وكما يقال “أهل مكة أدرى بشعابها” .. فالصناعيون أعلم بالموضوع، ويعيشون تفاصيله بشكل شبه يومي، وما تصريحاتهم بشأن متاجرة البعض بمخصصات الصناعيين من الأقمشة المصنرة المستوردة؛ إلا بمثابة رأس الخيط؛ الذي مدوه لتمسك به الجهات المعنية، وتتابع شده من أجل الوصول إلى “المغارة” التي امتلأت بمليارات الليرات وربما مثلها من العملات الأجنبية، التي جناها المتاجرون بهذه المخصصات لغير الوجهة القانونية التي أُدخلت لأجلها.
موضوع المخصصات لا يقتصر على الأقمشة المصنرة؛ بل يشمل معظم المواد الأولية المستوردة والمبالغ المالية الكبيرة التي يتم دعمها بها وتذهب لجيوب متاجرين بها؛ ومن يسهّل أمرهم من فاسدين ومستغلين ومحتكرين، والغريب بالأمر أن هذا النوع من الفساد يمر عبر القانون “ويادار ما دخلك شرّ” مادام كل صناعي هو تاجر، ومتى يريد الصناعي/التاجر يشهر بطاقته الصناعية أو التجارية وفق ما تقتضي مصلحته التي غالباً ما تدار تحت غطاء القرار الصادر، ولأجل هذه المصلحة شيّد منشأة صناعية وهمية يستورد لها “وهمياً” مخصصاتها من المواد الأولية المدعومة، وعندما تدخل هذه المخصصات إلى البلاد يبدل بطاقته الصناعية بالأخرى التجارية، ويبدأ المتاجرة بهذه المستوردات المدعومة ، وبما أن “اقتصاد الظل” مسيطر على إنتاجنا المحلي فبسهولة يستطيع توزيعها وقبض ثمنها أرباحاً تكون أضعافاً مضاعفة من دون تشغيل ماكينات ولا خطوط إنتاج ولا عمال .. فقط صوت ماكينة عدّ الأموال في مكتبه هو المسموع لديه ولدى شركائه في هذه الصفقة؛ وغيرها من الصفقات التي تمت؛ وسوف تتم في القادمات من الأيام، والأشهر، وربما السنوات؛ مادام هذا التشبيك الصناعي/ التجاري دائم العطاء؛ وبالقانون ..!