حركة «النهضة الإخوانية» التونسية تحتضر ومصير الغنوشي على المحك
زلزال يضرب حركة «النهضة الإخوانية» التونسية بعد استقالة 113 قيادياً فيها بشكل جماعي بينهم أعضاء في مجلس النواب المجمد عمله وأعضاء في المجلس التأسيسي وفي «مجلس الشورى» والمجالس والمكاتب الجهوية والمحلية محملين رئيسها راشد الغنوشي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
المستقيلون من الحركة أرجعوا في بيان لهم سبب الاستقالات إلى إخفاقهم فيما سموها «معركة الإصلاح الداخلي» للحركة وإقرارهم بتحمل قيادتها الحالية المسؤولية الكاملة عما وصلت إليه الحركة من عزلة وما انتهى إليه الوضع العام في البلاد من ترد.
البيان أوضح أن المركزية المفرطة داخل الحركة وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها الغنوشي بالقرار داخلها لم يبق شأناً داخلياً بل كان رجع صداه قرارات وخيارات خاطئة أدت إلى تحالفات سياسية لا منطق فيها ولا مصلحة متناقضة مع التعهدات المقدمة للناخبين لافتاً إلى أن تقييم أداء حركة النهضة يحتاج قراءة نقدية صريحة وشجاعة دون إعفاء نفسها من المسؤولية المترتبة على مساهمة بعضها في القرار الحزبي والحكومي في فترات محددة.
مراقبون تونسيون يرون أن الصراع الذي تشهده الحركة ليس جديداً لكنه خرج إلى العلن بالتزامن مع التطورات السياسية التي تشهدها البلاد وهزيمة الحركة وتراجع شعبيتها في الشارع ما دفع الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من تموز الماضي إلى إقالة حكومة هشام المشيشي المدعومة من النهضة وتجميد عمل البرلمان الذي تسيطر عليه الحركة ويرأسه الغنوشي ورفع الحصانة عن جميع النواب وبدء عملية تطهير ومحاسبة شاملة تلبية لمطالب التونسيين الذين خرجوا بمظاهرات حاشدة في معظم المدن رفضاً لسياسات النهضة وممارساتها محملين إياها مسؤولية الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في البلاد وارتباطها بأطراف خارجية لا تريد الخير للشعب التونسي.
ويحمل قطاع كبير من أعضاء النهضة الغنوشي 80 عاماً والذي يرأس الحركة منذ 40 عاماً المسؤولية كاملة عن الفشل السياسي على مدار السنوات الماضية الأمر الذي أوصل الحركة إلى حالة غير مسبوقة من الرفض الشعبي جراء سياساته التي اتسمت بقدر كبير من الدكتاتورية والتفرد بالقرار وتسببت في تصعيد حالة الاستقطاب السياسي مطالبين إياه بالاستقالة والإعلان عن عقد المؤتمر العام في أقرب وقت لاختيار قيادا ت جديدة قادرة على فتح خطوط للتواصل مع الشارع التونسي والقوى السياسية ومؤسسات الدولة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد الحركة استقالات جماعية على خلفية تراجع شعبيتها وتسببها بالأزمة السياسية التي تشهدها البلاد حيث عبر عدد من قياداتها عن غضبهم تجاه الغنوشي وطالبه أكثر من 100 قيادي بينهم برلمانيون بتقديم استقالاتهم قبل أربعة أشهر فيما عرف آنذاك باسم «بيان المئة» ولاحقاً أعلن عدد من الأعضاء استقالاتهم بعد تجميد الرئيس سعيد عمل البرلمان وأعلنت وقتها القيادية في الحركة وعضو البرلمان جميلة الكسيكسي انسحابها من دورة الشورى الطارئة التي دعا إليها الغنوشي قائلة إن قرارات الحركة لا تعبر عنها قبل أن تعلن استقالتها نهائياً بتوقيعها على البيان الصادر أمس.
وعقب إعلان الغنوشي في الـ 23 من آب الماضي إعفاء كل أعضاء المكتب التنفيذي للحركة لتهدئة الغضب الواسع في صفوفها حيال أدائه السياسي واجه انتقادات واسعة من قيادا ت بارزة في النهضة طالبته بالتخلي عن القيادة واتهمته بالتسبب بالأزمة السياسية في البلاد وبأنه يعمل لإيجاد طريقة للبقاء رئيساً للحركة بعد تأجيلها مؤتمرها الذي كان مقرراً العام الماضي حتى عام 2021 بذريعة انتشار وباء كورونا.
ويوضح مراقبون تونسيون أن حدة الخلافات والانقسامات داخل حركة النهضة قد تدفع الغنوشي إلى تقديم استقالته وإفساح المجال أمام جيل جديد لقيادة الحركة لحفظ ماء وجهه بعد أن بدأت تحركات داخل الحركة لعزله منذ الأسبوع الماضي حيث تسعى قيادات لجمع توقيعات من أكبر عدد من الأعضاء لإجباره على التخلي عن منصبه والإعلان عن عقد المؤتمر العام للحركة خلال أسبوعين على الأكثر.
وبالمقابل يرى آخرون أن تخلي الغنوشي عن رئاسة الحركة لن يكون أمراً سهلاً نظراً لتعامله بديكتاتورية شديدة مع أعضائها فضلا عن استناده إلى قوى خارجية تدعمه لتنفيذ أجنداتها في الداخل التونسي وبأن القوى الإقليمية والدولية ليست مجمعة على إقصائه تماماً فيما يرى بعض المراقبين أن الحركة الإخوانية تستخدم من خلال هذه الاستقالات تكتيكاً سياسياً لإعلان حزب جديد وامتصاص ضغط الشارع ضدها.
مراقبون يرون أن مستقبل الغنوشي كلاعب سياسي يتصدر المشهد السياسي انتهى وأصبح من الماضي بعد تسببه بالأزمة السياسية التي تشهدها البلاد وخروج التونسيين في مظاهرات شبه يومية رافضة لعودة الحركة إلى السلطة بعد فشلها في قيادة البلد وإخراجه من أزمته وانطلاقها في أي تصرف من رؤية إخوانية ضيقة لا من منطلق إدارة البلاد بعقلية المؤسسات وأن تونس لكل أبنائها وليست لفئة بعينها دون غيرها.
«سانا»