العقوبة ليست أولاً ..!
في معظم التشريعات الصادرة، إن لم نقل جميعها، تأتي العقوبات كفصل مستقل في آخر نصوصها.. ما يعني «آخر الطب الكيّ».
أما أن تبدأ مؤسسة ما بالتلويح بالعقوبات فور صدور النص التشريعي، وكأن جميع المستهدفين به مخالفون أو مرتكبو جرائم وجنح، على اختلاف تصنيفاتها القانونية طبقاً لأسبابها ونتائجها، فهذا فعل لا يغير الواقع قيد أنملة، ولا يساعد على نجاح المؤسسة في تأدية مهامها وتحقيق أهداف إحداثها، وفي المقابل لن يردع المخالفين، بل يزيد أعدادهم وحجم مخالفتهم كأن النص لم يصدر أساساً.
إن الغاية من إصدار أي نص تشريعي إصلاح الحال ولذلك تتضمن المواد والفصول الأولى منه الضوابط والأسس الواجبة التنفيذ لتقديم خدمة أو سلعة للمواطن بجودة عالية ووفق التكاليف الحقيقية لإنتاجها مع هامش ربح معقول، حتى يكون المستهلك في حالة رضا دائمة، ومقدم الخدمة أو المنتج في منأى عن الملاحقة القانونية، وأخيراً تصبح السوق نظيفة من المخالفات، ومن أجل الوصول إلى هذه الحالة المثالية لابدّ من البدء بنشر التوعية حول أهمية النص التشريعي الصادر حديثاً وشرح الأسباب الموجبة لتعديله أو إعداده، وتأجيل إطلاق عبارات التهديد والوعيد بتطبيق أشد العقوبات بحق المخالفين، التي يصل بعضها إلى الحبس عدة سنوات إلى مرحلة ما بعد التوعية!
وللعلم فإن عملية التوعية ونشر ثقافة «اللامخالفات» لا تقوم بها الجهة التنفيذية للنص التشريعي في معظم دول العالم، بل تتولى جهات أخرى قد تكون تشريعية أو أكاديمية أو توعوية محايدة – أحدثت لهذه الغاية- إقناع جميع المتضررين من المخالفات بضرورة التعاون مع الجهات التنفيذية لردع المخالفين وتعريتهم وعزلهم عن التجار والمنتجين ومقدمي الخدمات الملتزمين بأصول العمل المرخص لهم بموجب القوانين النافذة، وبعد اكتمال حملة التوعية يدخل النص التشريعي حيز التنفيذ وحينها لن يكون هناك عذر لمخالف، وتالياً العقوبات الواردة في النص التشريعي تفرض نفسها على جميع المخالفين حسب نوع المخالفة ومقدار الأذى المادي والجسدي الذي يلحق بالشاري أو المستهلك أو المستفيد من الخدمة.. فالجميع سواسية تحت القانون أياً يكن اسم المخالف أو صفته الاعتبارية، المهم أن يحصل المتضرر على حقه بموجب النص التشريعي ذاته.