لم يشفَ الضمير الأميركي من هزيمة فيتنام، حتى صدم بهزيمة أفغانستان. ومنذ عام 1975 والهزيمة في فيتنام شكلت (عاهة) في وعلى الضمير الأميركي، ويلاحظ مثقفو أميركا أن هزيمة أفغانستان المنكشفة والمفضوحة هذه الأيام ستكون عاهة إضافية في الضمير الثقافي الأميركي. والعاهتان ناتجتان عن الإحساس بـ«العار» من فرط الفشل والإخفاق والهروب المخزي، فما تأثير العاهة الجديدة على السياسات الأميركية، وخاصة تجاه العالم؟
رغم اشمئزاز الشعب الأميركي ورفضه الحرب على فيتنام، وإدانته العار الذي لبسته أميركا نتيجة هزيمتها في سايغون – رغم ذلك – فإن الاستكبار الأميركي جعل الرئيس ريغان يترجم عار هزيمة فيتنام على أنه دليل على عظمة أميركا، وأعلن عظمة أميركا. والعظمة القائمة على عار هزيمة عادة ما تكون عظمة مجنونة أو مجرمة – كما يشهد التاريخ – لأنها عظمة موهومة تتوهم الانتصار بينما هي مغسولة بعار الهزيمة، وبدل أن تتعلم أميركا من درس فيتنام، وتنتقل من سياسة السيطرة إلى سياسة التعاون، أوغلت في عشرات الحروب في أربع جهات الأرض لتثبت عظمتها وتداوي عار هزيمتها، وعاهة إخفاقها.
تعيد الإدارة الأميركية الهبل المجنون نفسه، في حرب العظمة الأميركية لعشرين عاماً على أفغانستان الفقيرة والمتخلفة، فتهزم شرّ هزيمة، وتهرب تاركة “طالبان” المتشددة دينياً لتلعب في قاعات القصر الرئاسي، مسيطرة على البلاد. وفوجئ الأميركيون بأن حكامهم عادوا ليجللوهم بعار هزيمة جديدة تفسح المجال لـ”طالبان” الإرهابية بالانتصار والحكم. وهذا ما يرى فيه كثير من المثقفين مولد (عاهة) جديدة سترزح على الضمير الأميركي طويلاً.
مع عاهة أفغانستان – المتراكمة على عاهة فيتنام- وغيرها من عاهات الفشل الأميركي، ومع شعار بايدن (أميركا عادت) يتساءل العالم: هل عادت أميركا (العظمى) لتداوي عاهاتها المتراكمة بافتعال حروب جديدة ومن أنواع مستحدثة ضد شعوب العالم؟ وهل سيواجه العالم منذ اليوم عظمى أميركية ذات عاهات عميقة؟ أي خطر يتهدد السلم والأمن الدوليين، وأي تهديد يطول حياة واستقرار شعوب مستهدفة من هذا الجنون الأميركي؟
بات على العالم واجب معالجة أميركا كي تشفى من عاهاتها، وتكف عن استيلاد عاهات جديدة من جرائم مستجدة.. وهذا ما يحتاج إلى تكاتف القوى الدولية المتمسكة بالشرائع والمواثيق الدولية والإنسانية لحفظ وحماية استقرار حياة البشر والمجتمعات والدول من شرور عاهات العظمة الأميركية المصابة.