تفشي المعاينات
لم يعد يقتصر دفع الأجر على معاينات الأطباء فحسب بل أصبح يفرضه في زماننا هذا العديد من أصحاب المهن الحرة.
ليس بجديد القول: إن أجور معاينة بعض الأطباء حلقت لدرجة أن راتب موظف عن شهر بالكاد يغطيها مع متمماتها من فحوص تفرض على أجهزة طبية في العيادة لا أحد يعلم إن كان المريض يحتاجها أم لا.. وليست مبالغة حين يصف الناس بعض الأطباء ممن لا رحمة أو شفقة لديهم بالتجار الذين لا همّ لهم سوى جني أموال طائلة على حساب المرضى «المنتوفين»، علماً أنّ المريض قد يتناسى التكاليف الباهظة إذا نفعه العلاج، لكن الطامة الكبرى عندما لا يستفيد أو تسوء حالته لكون الطبيب وصف دواء غير صحيح وله مضاعفات جانبية بناء على تشخيصه الخاطئ، ما يضطر المريض لمراجعة غيره مكرراً السبحة لعله يحظى بالعلاج الناجع.
المضحك المبكي أن أجور المعاينة لم تعد تقتصر على الأطباء بل ظهرت لدى مهن أخرى، وعلى سبيل المثال عندما تتعطل أي من التجهيزات المنزلية مثل الثلاجة أو الغسالة فإن المهني يطلب أجراً عن تشخيص العطل, وخاصةً إذا عَدل صاحب القطعة عن الإصلاح لعدم مقدرته على تحمل تكاليفها الباهظة، كذلك مهنيُّ ميكانيك وكهرباء السيارات إذا شخّص المشكلة, ولم يتم التوافق على قيمة الإصلاح يطلب كشفية، والأمثلة غير ذلك كثيرة من معاينات أعمال الزراعة والبناء التي قد تفضي لخلافات ومشاجرات من جراء طلب أجور فاحشة لقاءها.
ما يحدث هو غيض من فيض التعامل مع مهن القطاع الخاص، في حين أن الموظف «المنتوف» الذي يتقاضى أجراً شهرياً قد لا يساوي أياً من أجر آنفي الذكر عن يوم واحد.. عليه أن يرمي خلفه هموم ومتاعب الحياة الجمة ويُقبل على الدوام بحيوية ونشاط ويتعامل مع المراجعين بكل مرونة ولباقة، وقد تقوم الدنيا ولا تقعد في حال تأخير أي منهم حتى لو كان ذلك بسبب ذهابه دقائق لقضاء حاجة في الحمام.. كما أن عليه أن يصبر على دخله اليومي الهزيل الذي قد لا يكفيه أجرة «سرفيس» لعمله مع شراء «سندويشة فلافل» أثناء الدوام.
إنّ حال الموظف هو من سيئ إلى أسوأ وينبغي عدم تركه وحيداً يصارع مصيره البائس، وعلى الجهات ذات العلاقة معاينة واقعه بمسؤولية وإيجاد العلاج الكفيل بتحسين معيشته وأسرته عاجلاً غير آجل .. فهل من مستجيب؟