انزياحات في المزاج الشعبي الغربي
عكس العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مؤخراً، والذي كان الأقصر من حيث مدته الزمنية من بين أربعة اعتداءات سبقته تلك التي امتدت ما بين عامي 2008- 2014، وهي ماثلته في الطبيعة والوحشية، الكثير من الحقائق على الأرض، وأخرى يمكن لحظها على ضفاف المزاج الشعبي- الثقافي الغربي الذي شهد في غضون الأيام الأحد عشر التي شكلت عمر ذلك العدوان، وما تلاها، انزياحات لافتة لا نقول إنها من النوع الذي يمكن البناء عليه في صناعة القرار السياسي وبناء التوقعات، نظراً لأنها انحصرت في نطاق نخبوي غربي طوراً وشعبي ضيق طوراً آخر، وذاك توصيف لا يعني بالضرورة التقليل من أهمية الحدث، حيث الفعل لا يزال بحاجة للمزيد من الوقت لكي تتسع دوائره مشكلة تقاطعات قادرة على خلق ثقل وازن يفرض على دوائر صنع القرار في الغرب أخذه بعين الاعتبار، لكننا نقول إنه يصح اعتبارها كمؤشرات على ما ستلده المرحلة المقبلة من رحم المجتمع الغربي التي همشت الأنظمة الغربية السائد، قيمه وأفكاره التي قام عليها في أزمات عديدة.
أصدر 77 أستاذاً في جامعة هارفرد الأمريكية بياناً في 23 أيار، أي في ذروة العدوان الإسرائيلي على غزة، جاء فيه: لقد دمر عنف “الدولة” الإسرائيلية حياة الفلسطينيين من خلال مزيج من الحرب والسرقة الإقليمية والتشريد العنيف”. وفي مكان آخر يقول البيان “إسرائيل والولايات المتحدة يحرمون الفلسطينيين من كل أنواع المقاومة، ومن كل إجراء للدفاع عن النفس من شعب بلا دولة أو جيش، ضد قوة نووية تدعمها الولايات المتحدة”، قبيل أن يختم بالطلب من حكومة الولايات المتحدة إنهاء دعمها لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي وإدانة “إسرائيل”.
هذه اللغة غير معهودة في السابق حتى في أدبيات النخب الأمريكية بما فيها تلك التي توصف باليسارية، ولذا فإن خروجها للعلن بهذا النفس أمر يمكن اعتباره تحولياً، وإن كان على نطاق نخبوي ضيق، وذاك سيحتاج بالتأكيد إلى زمن ليس بالقصير لكي يجري إسقاطه على شرائح أدنى ستكون صلة الوصل ما بين هؤلاء وبين الشارع، المحطة التي تشكل عاملاً مؤثراً في صناعة القرار لا يمكن لغرف صناعة القرار تجاهله.
وبعد يومين من صدور البيان آنف الذكر نشرت صحيفة “لوبوان” الفرنسية تقريراً إخبارياً بعنوان “أردوغان يدعم حماس وأقاربه يشحنون الأسلحة لإسرائيل”، وقد جاء في التقرير أن سفينة ترفع علم سنغافورة، وهي مملوكة لأحد أقارب أردوغان، كانت قد أبحرت يوم 12 أيار من ميناء بالقرب من مرسيليا، وفي يوم 15 أيار حطت السفينة في ميناء نابولي الإيطالي، فيما وجهتها النهائية هي ميناء أشدود الفلسطيني المحتل، وما جرى -يضيف تقرير لوبوان- هو أن عمال ميناء نابولي رفضوا تحميل السفينة بحاويات الأسلحة التي تزيد حمولتها على عشرة آلاف طن، ليخلص التقرير إلى سؤال مهم: من هم الأقرب إلى فلسطين وشعبها، عمال الموانئ الإيطالية “الكفار”، أم “الخليفة” الدجال وأقاربه؟.
ما يعنينا هنا هو ما يشير إليه عنوان هذه المقالة، فمن الممكن لحظ حالة انزياح، لا تزال جنيناً في طور التشكل، داخل المجتمعات الغربية تجاه مسائل عدة من أبرزها الصورة التي تبتنيها في ذاكرتها تجاه قضية فلسطين أرضاً وشعباً، وذاك أمر يمكن التعويل عليه على المديين المتوسط والبعيد، من دون أن يعني ذلك بالتأكيد رمي “البيض” الفلسطيني كله في تلك السلة.