القبّة الحديدية أمست خردة
رغم الاحتلال والاستيطان الاحتلالي والتطهير والاغتيالات الممنهجة والفجور في إعلان ما يسمى «يهودية الدولة» والضخ الإعلامي والسياسي المروج للتطبيع وتحيز المجتمع الدولي، انبعثت فلسطين من جديد، وعادت تفوح فيها رائحة البخور المعطّر بالشهادة والمفعم بالتصميم والصمود.. نهضت فلسطين بفعل تضحيات رجالاتها.. وأعادت ثقة المواطن الفلسطيني والعربي بنفسه وبمقدراته وقدرته على تطويع التكنولوجيا المتطورة.. وصوابية خطه بعد أن أوهنه قليلاً عربان التطبيع المجاني.
ها هي أرض فلسطين المقدّسة تبدع وتتفنن بتلقين الدروس للكيان الصهيوني وجيشه الذي يدّعي أنه لا يقهر، لكنه تقهقر وأمست قبته الحديدية خردة.. وينام جنوده نهارهم وليلهم تحت الأرض.. ويتلطى أفراده وضبّاطه خلف الآليات المصفحة.
نعم الفلسطينيون اليوم، والمقاومة، يسطرون صفحات أخرى خالدة في سجل تاريخ مخضب بالدم، ومطرز بالصبر والتحدي، اليوم يسطر الفلسطينيون صفحات مشرقة أخرى في سفر المقاومة العظيمة.
أراد نتنياهو الغبي بالسياسة والخبير في الرشا والفساد إشعال الحرب على الفلسطينيين لإشغال العالم عما يجري في القدس، فقلب الطاولة على اليسار واليمن وما بينهما وعلى الإسرائيليين كافة.. أراد أن يحقق إنجازات انتخابية حزبية سياسية لكسب ودّ اليمين المتطرّف، لأنه يعلم مسبقاً أنه إذا ترك الوزارة فأبواب السجن بانتظاره.. فأفلس من اليمين واليسار بفعل صواريخ المقاومة التي تدكّ المدن المحتلة والرموز الصهيونية.
هرب إلى الأمام وأعلن عن عملية برية لعله يحفظ ماء وجهه لتحسين صورته المحطمة على يد أبطال المقاومة الفلسطينية التي تدكّ المستوطنات الصهيونية حسب الهدف والخطة.. أرادها نجاحاً فكانت سقوطاً مدوّياً له بعد أن دوخت الصواريخ الفلسطينية الصغيرة والمتوسطة “كبرى التكنولوجيات” الخشبية لتعبد الطريق لـ«عياش 250» وإخوته الباليستية الدقيقة.. فلم تصمد الدرع الصهيونية أمام السيف الفلسطيني.
لقد استطاع رجال المقاومة خلق توازن لأول مرة عبر كميات الصواريخ ونوعها وقدرتها على التشويش على رادارات العدو التي كان يتفاخر بها الصهاينة والأهم مقدرة المقاومة على التخفي.. والإخفاء الإلكتروني وحسن التعتيم ومفاجأة كل أجهزة استخبارات الكيان الصهيوني الذي يتبجح بطول يدها ومقدرتها، وبهذا الأسلوب المتغيّر غيّرت المقاومة المعادلة، فكانت خطة مدروسة، وعبرها حقق رجال المقاومة خلق توازن رعب حقيقي، الدم بالدم البرج بالبرج والمدينة بالمدينة وهذا ما يرعب الكيان اليوم ولن يتوقف عن عربدته إلا إذا أحسّ أن خسائره باتت كارثية.. وهذا ما سوف يتحقق.
صدمة حققتها هندسة المقاومة الفلسطينية. عبر وفائها لمهندس عملياتها يحيى عياش، الذي أرعب الصهاينة في بداية التسعينيات ليس بنوعية الصواريخ، أو بالدقة بكل صلية أو رشقة من الصواريخ القصيرة، أو المتوسطة.. إنما حتى إشغال وإخراس رادارات العدو وأجهزة إنذاراته، بينما تذهب الصواريخ الطويلة الباليستية المرعبة إلى أهدافها.. وهذا ما خلق الهلع في صفوف قيادات الكيان الصهيونية العسكرية والسياسية والاستخباراتية واليمين المتطرف.
“الهبّة المقدسية” حققت إنجازات غير مسبوقة.. وأزاحت اللثام عن وجه فلسطينيي الـ48 الأصيل.. ومرّغت أنوف الصهاينة وداعميهم بالأرض.. فرغم تطبيع بعض إخوانهم من عربان ومشيخات الخليج لم يفقدوا الأمل.. وكان الرد.. وخير رد، فسقطت التطبيعات والاتفاقيات في أول مواجهة.
هبّة أو انتفاضة القدس غيّرت كل الموازين وكل المعادلات.. وفرضت كلمتها على الكيان الصهيوني والمجتمع الإقليمي والدولي.. وعرّت أخلاق الغرب الذي روّج بالأمس حق الدفاع لكيان الاحتلال.. وأن الفلسطينيين لا تحق لهم الحياة.
السلاح النووي.. والصواريخ المجنحة والعابرة.. والطائرات الشبح.. والتحيز الدولي والإقليمي.. وتحيز المنظمات الدولية.. وحتى بعض العربان لن يفيد الصهاينة بشيء، وقد أعادت المقاومة الكرة إلى المربع الأول.. وعرّت الكيان الصهيوني الهش وأصبح زواله عن الخريطة حتمياً وقادماً.
الصورة اكتملت.. والمعادلة نضجت.. والمقاومة تعزف لحن الانتصار والشهيد بتكامل لا أجمل ولا أروع.. ومن يقرأ العدوان على الفلسطينيين اليوم يفهم خلفية العدوان على سورية التي تصدّت للحرب الإرهابية منذ عشر سنوات فهي تُعاقب على مواقفها القومية.. وخاصة من القضية الفلسطينية.. المعركة بدأت، ومستمرة، والعدو واحد.. والحقوق لا تسقط بالزمن، ولا بالقوة والجبروت مهما تجبرت.. النصر قادم وحتمي.