التخدير .. اختصاص مظلوم اجتماعياً ومالياً وتحذيرات من نزيف حاد في أعداد أطبائه
أشار الدكتور فواز هلال المسؤول العلمي في رابطة اختصاصيي التخدير وتدبير الألم أن الجرعة الزائدة للمخدر أثناء العمليات الجراحية ليست سبباً مباشراً للوفاة لكنها تتسبب بتأخر الصحو وحدوث إقياءات، مبيناً أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تلقي اللوم دوماً على الطبيب المخدر عند حدوث أي وفاة بسبب خطأ طبي ، الأمر الذي رسخ صورة سلبية في الأذهان تجاه طبيب التخدير، متناسين أن طبيب التخدير خلال سنوات الحرب على سورية بقي على رأس عمله لإنقاذ حياة الناس تحت القذائف الإرهابية.
وقال الدكتور هلال: بحسب إحصاءات نقابة الأطباء وصل عدد أطباء التخدير إلى /490/ طبيباً في عام /2016/ ، وهذا الرقم غير واقعي لأن الرقم الحقيقي أقل من ذلك بكثير فليس كل من يدفع رسوم النقابة يزاول المهنة ، فهناك من تسرب وكذلك ارتقى شهداء خلال سنوات الحرب على سورية والبعض الآخر ذهب ضحية الواجب الإنساني في التصدي لوباء كورونا إضافة إلى وفيات بأمراض أخرى كالسرطان والأزمات القلبية.
وتابع: لا يوجد جيل جديد لترميم المهنة لأن من يدرس هذا الاختصاص هو مشروع سفر للخارج لأنه يعلم مسبقاً أن هذا التخصص غير مرغوب به في بلاده، فنحن نخرّج هذه الأعداد ونقدمها هدية مجانية لدول الخليج والدول الأوروبية بعد أن تكون الحكومة تكبدت مبالغ طائلة لتخريجهم في جامعاتنا واكتسابهم الخبرات من المشافي العامة، محذراً من أنه خلال السنوات القادمة سنعاني نقصاً كبيراً بهذا الاختصاص لأن معظم أطباء التخدير فوق الـ50 عاماً، ما يستدعي الإسراع لاستدراك الأمر ووضع خطط للمحافظة على هذه القدرات البشرية.
أزمات دوائية
وعن مدى توافر أدوية التخدير رغم الإجراءات القسرية أحادية الجانب والحصار الاقتصادي على سورية أوضح بأن هناك مجموعة مستوردة كانت تأتي من الغرب قبل الحرب على سورية وهناك صعوبات في تأمينها لكن البدائل من الدول الصديقة متوفرة ، مستغرباً لماذا لا يتم تصنيعها محلياً، أما المجموعة الأخرى فتصنع محلياً لكنها في بعض الأحيان تنقطع فجأة ، مرجحاً أن السبب في ذلك يعود لصعوبة الحصول على المواد الأولية أو عدم وجود جدوى اقتصادية من إنتاجها من قبل المعامل.
أما المجموعة الثالثة التي لم تتوفر قبل وخلال سنوات الحصار الظالم على البلاد لا استيراداً ولا تصنيعاً ، وتأقلم طبيبنا للتصرف من دونها ومنها المضادات التي تعاكس أثر الأفيونات، مبيناً أن الخيار الوحيد عند التعرض لما يسمى الجرعة الزائدة هو انتظار الوقت ليطرحها جسم المريض بسبب عدم توافر هذه المضادات، وبأن المطالبة مستمرة بتأمينها رغم أن بعضها نادر الاستعمال لكنها تنقذ حياة إنسان عند الحاجة إليها وخاصة في حال ارتفاع الحرارة الخبيث الناجم عن مواد التخدير مقترحاً إمكانية استيرادها بأعداد مقبولة وتوزيعها على مراكز المحافظات والصيدليات المركزية عند الحاجة.
عقلية المتعهد
وفي حديثه عن الظلم المالي الذي يقع على اختصاصي التخدير أشار إلى أن المنظومة الطبية في المشافي الخاصة تدار بطريقة خاطئة فالجرّاح يعمل بعقلية متعهد البناء وهو المتحكم بالميزانية ورأس المال في القطاع الخاص، بينما في المشافي الحكومية فهو نصيبنا من الظلم الذي يقع على الجميع من كل الاختصاصات وواجبنا تجاه بلدنا التي قدمت لنا الكثير أن نخدم أبناءها خاصة أننا نمر بظروف صعبة، مبيناً أن القرار رقم 36 لعام 2017 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء القاضي بمنح أطباء التخدير مكافأة شهرية حدها الأقصى /100 / ألف ليرة سورية تم تفسيره بشكل خاطئ من قبل وزارة المالية، ففي بعض المشافي العامة كان هناك أطباء تخدير يتلقون حوافز قبل هذه المنحة الشهرية لكن تم منع الدمج بين الحوافز والتعويض لذلك حصل البعض على قيمة أقل مادياً علماً أنها منحة هدفها تحسين الواقع المعيشي لأطباء التخدير .
وأضاف أنه حتى في الأقسام الخاصة في المشافي العامة يستأثر الطبيب الجراح بالقسم الأكبر من أجور العمليات علماً أن قانون وزارة الصحة ينص على حصوله على نسبة 30% لكن النسبة الحقيقية التي نتقاضاها لا تتجاوز 2% وبعمليات كبرى.
توقيف احترازي
ولفت الدكتور هلال إلى أن المشكلة الأكبر التي يعانيها طبيب التخدير وبقية الأطباء من كل الاختصاصات هو التوقيف الاحترازي في حال وفاة المريض ، مطالباً بتشكيل مظلة حماية لها قوانين تحمي من هذا التوقيف، فالطبيب ليس مجرماً ، ولا يسمى الخطأ الطبي إلّا من قبل لجنة خبرة طبية من نفس الاختصاص، ففي كل دول العالم لا يوجد توقيف احترازي للطبيب إلا عند صدور حكم قضائي قطعي بالسجن إذا ثبت عليه ارتكاب الخطأ .
وأضاف أنه يجب أن يتم التحقيق مع الطبيب بوجود مندوب من نقابة الأطباء وداخل النقابة وإذا رأى قاضي التحقيق ضرورة توقيفه احترازياً يجب أن يكون التوقيف داخل فرع النقابة وعلى مسؤولية نقيب الأطباء لحين تسمية الخطأ الطبي من قبل لجنة مختصة ، لافتاً إلى أن التوقيف غالباً يكون قبيل أيام العطلة الطويلة ويتعرض الطبيب للضغط النفسي ومعظم الأطباء الذين تم توقيفهم ثبت أنهم لم يرتكبوا خطأً طبياً لكنهم يخسرون سمعتهم فيغادروا البلد .
وحمّل وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية حقن الشارع ضد الطبيب لدرجه شهدنا فيها حالات اعتداء وضرب من قبل ذوي المريض على الطبيب ، و وصلنا إلى الحد الذي أصبح فيه الطبيب الذي يتصدى للحالات الحرجة يتم الاعتداء عليه بينما من يتهرب من المسؤولية ينجو بفعلته .
وختم هلال بالمطالبة بالتأمين ضد الأخطاء الطبية كما هو معمول به في بقية الدول .