عنف بريطاني بدعم حكومي
تخيّم حالة من الغضب العارم على المشهد البريطاني, مع تنظيم تظاهرات احتجاجية حاشدة في لندن, للتنديد بعنف الرجال ضد المرأة، وممارسات عناصر الشرطة الجائرة وذلك عبر وقفة احتجاجية تم تنظيمها لتأبين سارة إيفرارد، وهي سيدة بريطانية اختطفت وقتلت على يد أحد الضباط أثناء عودتها إلى منزلها، حيث اشتبك عناصر الشرطة مع المحتجين، واقتادوا نساء مكبلات الأيدي بعد شتمهن وتعنيفهن بحكم العادة.
هذه الحادثة فتحت الجرح القديم الجديد للنساء البريطانيات اللواتي لايزلن يعانين الخوف والترهيب والتهديدات, وأعادت السجال مجدداً حول سلامة المرأة وعدم أمان الشوارع البريطانية إلى الواجهة. باعتبار أن هذه الحادثة ليست الأولى كما لن تكون الأخيرة في بريطانيا التي يعد فيها العنف ضد المرأة متأصلاً في المجتمع وآفة مستفحلة بتجاهل حكومي يقف في صف العنف الذكوري.
جديد العنف البريطاني, فتح الباب واسعاً أمام سيل من التقارير الإعلامية التي أكدت، حسب إحصائيات بريطانية، أن كراهية النساء تتنقل بين الشارع والمنزل, فهناك امرأة بريطانية تقتل على يد رجل كل ثلاثة أيام, وأن امرأة من بين أربع نساء تتعرض للعنف، فيما أكدت منظمة (هيومن رايتس ووتش) أن الحكومة البريطانية تماطل في إنشاء إطار قانوني قوي للتصدي للعنف ضد النساء.
كما تدفقت روايات شخصية من نساء بريطانيات تحدثن عن تجاربهن في التعرض للترهيب والمضايقات أثناء سيرهن ليلاً في شوارع لندن، واتخاذهن تدابير الحماية الوقائية يومياً ليحافظن على حياتهن، ناهيك عن الاعتداءات من قبل رجال أمام أعين السلطات ومسامعها من دون أن تحرك ساكناً.
لا شك أن هذه الحقائق مدعاة للصدمة والقلق, في ظل حرص المسؤولين على التبجح جهاراً نهاراً بأن (وضع المرأة في بريطانيا والبلدان الأوروبية كان دائماً المقياس والمرجعية في نيل المرأة لحقوقها وحريتها) وذلك عند تنطحهم للحديث عن وضع المرأة في دول العالم الثالث أو الوطن العربي.
فيما الإحصائيات والدراسات والتقارير الإعلامية البريطانية تشير منذ سنوات إلى تزايد الكراهية وارتفاع معدلات العنف ضد المرأة, يخرج بوريس جونسون على الرأي العام متفاجئاً بسماع ما تعاني منه النساء البريطانيات, ليتعهد, تحت وطأة الاحتجاجات الغاضبة, (بالتصدي لهذه المشكلة، وجعل الشوارع آمنة للنساء)، في الوقت الذي اعترف فيه عمدة لندن بأن شوارع المدينة ليست آمنة.
المثير، أن المرأة البريطانية التي لا تزال مسكونة بالخوف وشعورها بعدم الأمان، تعاني منذ سنوات طويلة من عدم المساواة مع الرجل حتى في الأجور، ورغم تأسيس “حزب المساواة النسائي” عام ٢٠١٥ على يد مجموعة من النساء اللواتي أعياهن انتظار مساواة لا تتحقق وقبول لا يتبلور، إلا أن مسألة المساواة بين الجنسين في بريطانيا تعدت مرحلة المساواة إلى جهود استدامتها وتعديل التوجهات.
كل ما يرشح عن المشهد البريطاني من غضب شعبي وعجز حكومي عن حماية المرأة، يدفع المراقبين إلى القول إن على الحكومة البريطانية أن تولي اهتمامها للداخل الذي يعاني الأمرين, فالأجدى بها أن تصلح حالها وتعمل على تطبيق شعاراتها على نسائها أولاً لحمايتهن من العنف والقتل، قبل أن تتنطح للحديث عن حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات التي أبعد ما تكون عنها.