من المُبكي إلى المُضحِك
لم تتخذ الدراما في معظم ما أنتجته موقفاً جاداً تجاه ما يُسمى من باب التبسيط “التلطيش”، فهو ليس أكثر من مزحة أو محاولة للفت النظر ، كما أنه مطلب أنثوي مهما حاولت النساء عموماً القول عكس ذلك، ومهما صرخن وكررن وكتبن، كانت الأساليب تتطور، بدءاً من الشارع وصولاً إلى صفحات الفيسبوك.
هذه الاستباحة المغطاة برداء “المقبول” و”الاعتيادي” لكلا الطرفين “الضحية” و”المتحرِّش” لكون التلطيش شكلٌ للتحرش اللفظي القابل ليصبح “جسدياً” و”إيمائياً”، حظيت بموافقة اجتماعية ضمنية، مهّدت لها عدة مسلسلات، فلو عدنا إلى الحلقة الشهيرة من مسلسل “بقعة ضوء” وعنوانها “وحياة اللي خلقك”، للفنانين أيمن رضا وكاريس بشار لوجدنا فيها مثالاً يؤكد تماماً ما نقصده، فالشاب لا يمل من تكرار التصرف ذاته بشكل مضحك، مع أن الفتاة كانت تغيّر ثيابها كلّ مرة، إذا ما افترضنا أنّ اللباس هو الدافع المحرّض، حتى إنه أخيراً يصل إلى مضايقتها في منزلها، إشارة إلى تجاوزه مرحلة نحو أخرى، أكثر جرأة في التعدي على خصوصيتها وإيذائها.
لكن إذا كانت كبرى المآسي والإشكاليات والقضايا التاريخية تم تناولها كوميدياً بما في ذلك ما هو موضع اختلاف إلى اليوم، فلا يبدو التعاطي مع التحرّش كمادة مضحكة خطأً، كما أنه ليس مبرراً بطبيعة الحال للقول بأن المجتمع يستقي قيمه من الدراما وحدها.
يرى بعض النقاد أن الانتقال من المُبكي إلى المضحك يحتاج دوماً إلى الزمن اللازم والمناسب لتقديم نكتة أو أغنية أو أي عمل فني كوميدي أما في حالتنا فالنقاش يصح أن يبدأ من الدارج بإظهار الضحية شخصية ضعيفة كما في لوحة بقعة ضوء في حين يظهر المتحرِّش شخصية خفيفة الدم، ظريفاً، محبوباً، بحيث لا تعمّق الكوميديا ما هو مُلتبس ومُبرر في المجتمع، بمعنى آخر ألّا تعزز الخطأ بتجميل مرتكبه وتحقير الضحية وإذلالها، وللحديث بقية.