هدية نهاية الخدمة
ما نتقاضاه من أجور أصبح هاجساً يؤرقنا جميعاً، وخاصة أنه يذهب على أشياء حياتية استهلاكية والأشياء التي تصنف عالمياً على أنها واحدة من أساسيات العيش نجدها اليوم مستحيلة لغلائها الذي لم يعد يواكب دخلنا المتواضع، وأصبح كل منا يعيش في دوامة ضغط النفقات وإيفاء القروض ليجد المرء نفسه على أعتاب خريف العمر, والتهيئة النفسية لمرحلة التقاعد المحفوفة بمخاطر الأمراض التي تداهم كافة البشر عادة, وساعات الضجر التي سوف يقضيها أي كان عادة , معلماً من حوله قواعد غفل عنها لسنوات طويلة, لانغماسه في عمله, والانهماك به وتطلعه نحو مستقبل مشرق كالذي يجري في الحكايا عادة.
قلة من المتقاعدين في بلادنا يجدون عملاً آخر يكملون به مشوار حياتهم ويصبون فيه عصارة فكرهم وتجربتهم, وقليل من هؤلاء يصلون بأحلامهم إلى منتهاها وهم يقفون على أطلال إنجازاتهم الحياتية, فتتحقق لديهم الأماني التي لطالما تعثرت خطواتهم على طريق الوصول إليها.
قبل سنوات رأيت مجموعة من كبار السن اليابانيين يتأهبون لدخول الهرم الكبير في (جيزة مصر) علمت أنها هدية نهاية الخدمة من مؤسساتهم وليحقق كل منهم حلمه في رؤية واحدة من البلدان العالمية .. ولن نتحدث عما يتم تقديمه للمتقاعدين في دول متطورة من رواتب مجزية تضمن لهم رغد العيش في نهايات العمر, وما يتم تنظيمه من رحلات سياحية ، وما يصيب كبار السن عندنا من كآبة ترافقهم , ولاسيما أولئك الذين تضن عليهم الحياة بنعمة الأولاد الصالحين, ويجدون أنفسهم على أدراج الضمان الصحي وكوات الصرافات يسألون عن رواتبهم الضئيلة التي يتم صرفها عادة على أمور صحية …
وحدها الأنظمة والقوانين تحكم مصير المتقاعدين, وليس حفنة من المشاعر نتداولها فيما بيننا كحديث عابر, ومن بعدها نتذكر أسماء تتلمذنا على أيديهم وأصبحوا اليوم كذكرى غابرة .