سوادٌ في سوادِ ..!

تخيّلوا إنساناً ضارباً أخماسَ راتبه بأسداس مدّخراته، و”حائصاً/لائِصاً” من مكانٍ إلى آخر لتأمين أجرة منزله، ولقمة عياله وأقساط روضاتهم، وتكاليف طبابتهم وعلاج أسنانه وأسنانهم وأسنان زوجته، فمِنْ غير المعقول أو اللائق أنْ يحظى هو بـ”فّك تِكساس” وألّا يتركها تتنعّم هي أيضاً بـ”ابتسامةِ الموناليزا” أو بـ”لمعةِ الفينير الهوليوديّة” التي تلمعُ مثل سيوف عنترة العبسيّ ساعةَ الوغى، ونرى كيف تتراكم عليه باقي مدفوعات حياته الواقعيّة الواقعة فوق رأسه مثل “جلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من عَلٍ”… ثم بعد ذلك كلّه مطلوبٌ منه أنْ يقدّمَ حلوله العبقرية في التنمية الإدارية والبشريّة أو في عمارة وهندسة المدن وتخطيط أبنيتها وشوارعها أو أنْ يجلسَ آخر الليل لـيتفنّن في كتابة مقالاته وزواياه وتحقيقاته، وأن يبقى وفيّاً، مخلصاً، شجاعاً، جسوراً، عفيفاً، لطيفاً، ومرِحاً كريماً، محبِّاً للنكتة ورواية القصص المسليّة الظريفة بعيداً عن التذمّر أو الشكوى أو حتى التلميح… فبعض المسؤولين – يا روحي عليهم- لا يُحبّون العَبوسَ المتجهِّمَ الذي ينتقد تقصيرهم ومشاريعهم الوهمية وتصريحاتهم الخُلّبية وإطلالاتهم الإعلامية كما لو أنهم يعيشون على كوكب زحل!.
بكل تأكيد “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان…”، لكن مع كل ما حولنا من ضغوط لا تعيننا بعض الإدارات الخدمية الحنونة على الخلاص منها بشكلٍ حقيقي؛ تقزّمت أحلامنا، ولم يعد الإبداع والخلود في التاريخ من آمالنا، إنما حسبنا فقط أن ننجو من فخّ التجربة وشيطان الفساد، وألّا تحوّلنا الأيام إلى تماثيل من الشمع تذوب تحت نيران الغلاء وحِمم النفوس الجشعة وتحديداً مَن يرفع سِعر “البحارم” عفواً المحارم في أوقات الرشح هذه و”سعْد الدابح”؛ هذا الهاجمُ علينا من الجهاتِ كلّها وما مِنْ “عبّوطةٍ” تحمينا من زمهريره وصقيعِ لياليهِ السودِ مثل حظّ الشاعر الذي قال: “وحظّي مِثل شَعري مثل ليلي/سوادٌ في سوادٍ في سوادِ”!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار