من الضروري عدم المغالاة، ولا المبالغة في التقديرات والتوقعات لما سيقدم عليه الرئيس الأمريكي الجديد «الديمقراطي» جو بايدن حيال الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ومن الضروري أيضاً الترقب وبكثير من الحذر لما يصدر عن إدارة بايدن من إشارات حيال الموقف الأميركي المتوقع، والذي دخل في مرحلة إنضاج أو بلورة على الأقل حيال قضايا راهنة تشكل في مجموعها خطة أو خطط إما لاحتواء التعامل الفج والخشن مع شؤون وشجون أوضاع المنطقة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، أو لإخفاء ما يمكن تسميته “السياسة الناعمة” والتي هي معروفة مسبقاً عن الرؤساء “الديمقراطيين” الذين أرادوا أن تبقى “إسرائيل صاحبة القرار المركزي” في أوضاع المنطقة، فمنذ كارتر إلى كليتون إلى أوباما وإلى بايدن تمسكت الولايات المتحدة بسياسة «العصا والجزرة» أو لنقل الترهيب والترغيب لحماية الأمن الإسرائيلي، ولتكون هناك سياسة إسرائيلية أو خريطة حسابات أو أجندات تقوم الولايات المتحدة بتنفيذها كأجندة ترى فيها أن الأمن الإسرائيلي إن لم يكن فوق الأمن القومي الأميركي، فعلى الأقل هو جزء من هذا الأمن، وهذا له أولويته على كل ما عداه من أولويات وخطط راهنة أو مستقبلية.
وواضح جداً أن إدارة بايدن الجديدة، وعلى الطريقة الأميركية الكلاسيكية كما انتهجها “الديمقراطيون” تستند إلى حل الصراع العربي- الصهيوني والقضية الفلسطينية إلى مبدأ «حل الدولتين»، وكانت على الدوام تشجع على التفاوض الفلسطيني– الإسرائيلي للوصول إلى حل يرضي الطرفين وكمدخل لفتح بوابات التطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى العربي، إلا أن هذا التفاوض والذي كانت أميركا تدعي أنها الوسيط فيه لم يؤد إلى أي نتيجة بسبب القفز وعبر كل ما عقد من جلسات تفاوضية عن الحقائق التي تشكل حلاً عادلاً وشاملاً ودائماً، وأبرزها عدم إقرار الولايات المتحدة وهي التي تعطي كل إشارات الدعم والتغطية الكاملة “لإسرائيل” للتلاعب بأوضاع المنطقة، وللمضي أكثر في عدوانها على العرب، وفي ترجيح الكفة الإسرائيلية الرافضة دائماً وأبداً التسليم بالحق الفلسطيني أو حتى بعضه في إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان والتعامل بإيجابية مقبولة حيال حق العودة، ناهيك عن القدس والانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران عام 1967.
أن الشواهد والأدلة أكثر من أن يتم حصرها على امتداد عقود من الزمن، كان الكيان الصهيوني خلالها ثكنة عسكرية أميركية متقدمة لهضم وقضم الحق العربي، واستباحة الأراضي العربية، والإمعان أكثر فأكثر في تحويل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني إلى جحيم وكوارث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلى سجن كبير. مع هذا نتساءل: هل سيتمكن بايدن وإدارته، على الأقل، من شطب «صفقة القرن» التي ألغت مبدأ “الأرض مقابل السلام”، واستبدلته “بالسلام مقابل السلام”، أو “الاقتصاد مقابل السلام”؟. سؤال لن يطول انتظار جوابه أميركياً، متسائلين أيضاً عن أسس ومبادئ «حل الدولتين» وهاهي الكرة في المرمى الأميركي والإسرائيلي على حد سواء، فماذا عن ذلك؟.. وكيف؟..