الحوار الصعب

يعد الوصول إلى حوار بناء مع الولايات المتحدة الأمريكية من أصعب الإشكاليات الدولية، فكل إدارة جديدة تهدم ما سبق للإدارة السابقة إن وقعته مع الدول الأخرى.

حدث ذلك بوضوح من خلال المعاهدات الإستراتيجية مع روسيا والاتفاق النووي مع إيران، وكثير من الاتفاقيات التي وقعتها أمريكا مع المجتمع الدولي تم الانسحاب منها في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف راهن على “حدوث معجزة” ذات يوم، حتى يدرك الأمريكيون أهمية الحوار الإستراتيجي مع روسيا.

القضية في الاتفاق مع أمريكا معقدة، ليس لتعقد وتعدد وتشابك مسارات المفاوضات، بل للمدة التي ستبقى فيه أي اتفاقية صالحة للعمل أو إلى أي مدى ستنفذ الإدارة الأمريكية -أياً كانت- بنود الاتفاقية، وبخاصة مع هيمنتها التي تعزز لديها الشعور والقدرة على التملص أحياناً وتحوير القوانين الدولية لمصالحها أحياناً أخرى.

اتفاقيتان تجمعان روسيا وأمريكا تبينان حقيقة الخداع الأمريكي، الأولى هي اتفاقية “السماء المفتوحة”، التي انسحبت منها أمريكا في البداية بسبب أن أمريكا بوسائلها التقنية وتواجدها الميداني بمحيط روسيا، أصبحت بغنى عن الاتفاقية، أي منع روسيا الإفادة من مزايا الاتفاقية، فكان الرد الروسي بالانسحاب منها، والاتفاقية الثانية والتي أظهرت أمريكا رغبة بتمديدها من دون شروط إضافية، هي “معاهدة خفض الأسلحة الإستراتيجية” (نيو ستارت) وهذه الرغبة تكشف العجز التقني الأمريكي في التقدم على روسيا في ناحية تطوير الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، والتمديد يأتي لتقييد روسيا في تطوير أسلحتها الإستراتيجية، فهذا هو المكر الأمريكي، وهكذا تتعامل أمريكا مع الملفات الخارجية، فعند الاضطرار للتوقيع لأسباب دولية، تدفع الإدارة الفعلية للعلاقات الدولية “الدولة العميقة”، للانسحاب من الاتفاقية، لتفرض الإدارة التالية المزيد من الشروط.

العالم لا يحتمل المزيد من الهروب من الاتفاقيات التي تُحدث نوعاً من التوازن في العلاقات الدولية، وبخاصة في ظل وباء كورونا الذي كبل الاقتصاد وأرهق الشعوب، وخاصة الدول التي سبق أن تعرضت للعقوبات غير الشرعية من نظام الهيمنة الأحادي الأمريكي.

مسار المفاوضات مع الأمريكيين طويل ولابد منه عند تسلم كل إدارة جديدة لمقاليد الحكم في البيت الأبيض.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار