“آلام فرتر” رواية نصيبها الخلود
“نصيبها الخلود” هكذا وصف طه حسين “آلام فرتر” رواية الفيلسوف الألماني “يوهان غوته”، مُتنبئاً بعشرات الترجمات والطبعات المتلاحقة منذ ظهورها سنة 1774، لعل أشهرها ما قدمه أحمد حسن الزيات معتمداً على الفرنسية لا الألمانية اللغة الأصلية للرواية، وهي الترجمة التي حظيت بمقدمة لا تقل دقة عنها، صاحبها من استعرنا توصيفه في بداية هذه الزاوية.
يسوق طه حسين أسباباً مختلفة، من شأنها أن تجعل الرواية “باقية أبد الدهر”، منها ما تُمثله في جوهرها من صورة نفس كبيرة، دقيقة الحس والعاطفة، هي نفس “غوته”، وما تزخر به من وصف حسي وآراء فلسفية، لكن أبرز تلك الأسباب -كما أزعم – يتعلق بالحقيقة التي كُتِبت “آلام فرتر” لتوثيقها أو نشرها، فهي ليست قصة مُخترعة أو فكرة تم الاشتغال عليها، كروايات كثيرة ألّفها كُتابها واختاروا لها زماناً ومكاناً وشخصيات ومقولات، بل هي مرحلة عايشها “غوته” في سنوات شبابه، حين كان يدرس المحاماة في مدينة “فتسلار” الألمانية، هناك تعلّق بفتاة اسمها “شرلوت”، كانت مخطوبة لشاب يدعى “كستنر”، وعلى ذلك لم يكن أمام الحب إلا أن يتحول إلى صداقة، جمعت بين الثلاثة.
وبحسب ما تقوله المقدمة، لم يستطع الفيلسوف الكاتب أن يتقبل زواج صديقيه، فغادر المدينة ونفسه “ساخطة وثائرة ومُذعنة” في الوقت نفسه، وهنا حقيقة محور الرواية، وصورتها الأشمل، على ما فيها من طروحات تتناول المجتمع الألماني آنذاك، فالشاب “فرتر” حين يلتقي “شرلوت”، وهو الاسم الذي اختاره “غوته” للحبيبة المُفترضة، تخبره بأنها مخطوبة لشخص آخر اسمه “ألبير”، ومع ذلك يترك لنفسه أن تتأمل وتتخبط، ثم لا يرى خلاصاً له سوى الانتحار، ليكون الاختلاف الأكثر غرابة بين ما حصل فعلاً وما خلّدته الرواية، ألم يكن لـ “فرتر” أن يرحل عن المدينة فحسب ليتابع حياته في مكان آخر كما فعل “غوته”، أم أن الأخير امتلك في الكتابة قدرة ورغبة ليفعل ما لم يستطعه في حياته؟، وهو ما قام به عدد من الشباب في ألمانيا وفرنسا وغيرهما، انتحروا بعد قراءة الرواية، وعنهم يقول طه حسين في مقدمته نفسها “هؤلاء لم يُوفقوا إلى القصد من الرواية” مع ظروف حياتهم القاسية في أوروبا وقتها.
في المحصلة، لا شك أن أفكاراً وطروحات عديدة تجعل من “آلام فرتر” رواية “نصيبها الخلود”، أحدها بالتأكيد أن “غوته” عاش معظمها وأراد لنا أن نقرأ ذلك.