كفالة الجامعيين ..!
بدا أحد أقراننا الموظفين متجهماً عندما سُئل ماذا يَدرس ابنه الذي نال مجموعاً جيداً في شهادة الثانوية العامة.. وجاء رده على غير المتوقع وهو يحيل الطرف جانباً: لقد أدخلناه مكرهين إحدى الكليات المتواضعة لقربها من منزلنا المستأجر بمدينة درعا على الرغم من أن علاماته كانت كفيلة بإدخاله إحدى كليات الهندسة في جامعة دمشق.. موضحاً أنه خيار حتّمه الوضع المادي المتردي لكونه لا يحتاج أجور نقل ومصاريف إقامة باهظة في محافظة أخرى ويُمكن من العمل مع الدراسة.
لدى ملاحظة استياء ذلك الرجل من الحديث بالموضوع حاولت ومن معي في الجلسة التخفيف عنه بالقول: وما المشكلة .. بالنهاية سيحمل إجازة جامعية كغيره والراتب متماثل تقريباً؟ لكن هذا الحديث الذي جاء مسايرةً لحاله لا يمكن أن يقلل من أهمية نوع الشهادة.. كما لا ينفي معاناة الأهل من ذوي الدخل المحدود جراء قساوة تكاليف دراسة أبنائهم في كليات خارج محافظاتهم، والتي كثيراً ما كانت سبباً بإيقاف تسجيلهم أو تركهم للجامعة.
النقاش لم يقف عند هذا الحدّ بل تشعب وتناول بؤس ما بعد التخرج مبرزاً السؤال: كيف لشاب موظف أن يُكّون أسرة في ظل تكاليف الزواج المرعبة والأسعار الفلكية للشقق السكنية.. وحتى لو فكر بالإيجار فالقيمة خارج نطاق تغطية راتبه ولو كان بأعلى سقف؟.. وأجمع الحضور على أن الأفق شبه مسدود أمام معظم الشباب في ظروفنا الراهنة.. باستثناء قلة من أبناء الميسورين الذين يقتنون عقارات وتجارة حرة أو لديهم منهل مادي من أقنية فساد تمددت وتغلغلت خلال سنوات الحرب على سورية.
لم تنتهِ الجلسة قبل أن يتم الحديث عن أهمية إيجاد الحلول التي تمنع حرمان أي طالب من إكمال دراسته الجامعية أو اختيار الفرع الذي يستحقه.. والتي يمكن أن يتجسد بعضها بتفعيل وتوسيع الإيفاد الداخلي لصالح جهات عامة أو خاصة، وتوجيه الجمعيات الإنسانية للتكفل بتكاليف دراسة عدد معقول من الفقراء والمهم إحداث كليات جديدة تستوعب أكبر عدد من الطلاب ضمن محافظاتهم.. علماً أن ذلك لا يسهم بتخفيف الأعباء عن الأهل فقط بل ويضمن استمرار الحصول على مخرجات مؤهلة أحوج ما نكون إليها في مرحلة إعادة الإعمار التي نأمل ألا يطول انتظارها على كافة الصعد لتفتح أمام الخريجين الشباب آفاقاً واعدة.