المشهد أمريكي
يبدو المشهد على الساحة الدولية وكأنه مشهد أمريكي بامتياز، فالعالم يرى، يراقب، ينتظر، ما هو آت من “الصرح الديمقراطي”، مَنْ يقتحم ومََنْ يضخم ومَنْ يحاكم ومَنْ يهدد، ومَنْ لا يعترف أو يسمع ويرى ما تغير خارج محيط البيت الأبيض.
لأول مرة تبدو الحالة الأمريكية منقسمة بهذا الوضوح، ليس كالعادة على ملفات خارجية فقط، بل على ذاتها.
الانقسام خطير، لأنه ليس بين أقلية وأكثرية قد تحسمه “اللعبة الديمقراطية” بانصياع الأقلية للأغلبية، بل هو أقرب إلى المناصفة، فدونالد ترامب هُزم مع ما يقارب 75 مليون صوت من الناخبين الأمريكيين لصالح جو بايدن الذي انتصر بـ80 مليوناً، الأرقام متقاربة، إضافة إلى الشكوك الكثيرة حولها، رغم كل ما وقف ضد ترامب من أجهزة “الدولة العميقة” ووسائل الإعلام وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي “تويتر” و”فيسبوك” وغيرهما.. جميعها تدخلت في اللعبة الانتخابية.
أين القانون الأمريكي؟. أو لماذا هو ضد ترامب فقط؟. منْ يريد كبح “الترامبية” التي لا تؤيد الحروب الخاسرة ؟ هناك لوبيات التصنيع العسكري ستتضرر حتماً من سياسة ترامب الخارجية، هذا واضح، لكن هل يمكن للمنتصر بايدن إغفال أكثر من نصف الشعب الأمريكي، لا يبدو بأن لغته تصالحية، فالانقسام يذهب إلى التجذر بالمجتمع الأمريكي على مرأى من العالم.
“الديمقراطية الأنقى” في العالم، كما تم تصويرها، ليست كذلك، هناك صراع خرج للعلن ونموذج ترامب كسر القيود التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية، هنا منْ “غرد” خارج السرب، منْ وضع حقيقة أمريكا على طاولة التشريح أمام العالم، أمريكا ليست نموذجاً، بل هي دولة كغيرها تسعى للحروب الخارجية من أجل تغليف تناقضاتها الداخلية بالقوة التي تخرق عباب البحار، لأجل إشغال شعبها والعالم عن ضعفها على المستوى الاجتماعي والطبقي، وعن فشل نموذجها الذي دائماً ما تتدخل وتصدره بالقوة للعالم، وحجة التدخل بالدول الأخرى لم تعد متوفرة.
ما وصلت إليه الحالة الأمريكية من انكشاف، لابد أن يكون له تداعيات على السياسة الخارجية لأمريكا التي استمرت لأكثر من سبعة عقود، التي تلت الحرب العالمية الثانية، والتي تمخضت عن النظام الدولي الذي هيمنت عليه أمريكا التي خرجت من الحرب منتصرة وغنية.
العالم ينتظر ما ستؤول إليه الأمور، وكيف يدخل الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض والعالم في الأيام القليلة القادمة أمام مشاهد كثيرة لكن ما يهمه، كيف ستؤثر الصورة المستجدة لأمريكا على النظام الدولي؟.