عليك أن ترى إن كانت الكتابة، بالنسبة إليك، دونها الموت.. هكذا يجزم ريلكه في نصائحه إلى كاتب شاب.. فيما يطلب بوكوفسكي بألاّ يفعلها المرءُ إذا لم تخرج منفجرةً منه.. غارسيا ماركيز يقول إنه يكتب كي يفرح العالم والأصدقاء.. أما سوزان أورلين فهي تحب صناعة الجمل والعبارات.. الحسّ الجمالي والسياسة مع التاريخ وحبّ الذات، يوجهون الكتابة عند جورج أورويل.. أما غيش جين، فتعتقد أن الكتابة جزء من وجودها في هذا العالم، وغيابها يعني التوقف عن التنفس.. تيري ماكميلان يكتب ليتخلص من جلده الميت.. وماركار يكتب ليحلم ويتصل بالآخرين ويزور الموتى.. أما والتر موزني فيحب وضع الكلمات قرب بعضها ليروي قصة يسميها الأمر العظيم.. إنها الخيمياء العجيبة الأشبه بالسحر كما يصفها سباستيان جنغر..
اليوم، تتثاءب مواقع التواصل الاجتماعي من وطء النصوص، والكاتب العربي يخط كلماته بأيدٍ مقطوعة وروحٍ مكبلة بالأغلال.. «أكتب بلغةٍ تنفيني»، يقول أدونيس، في إشارة إلى المحن الكثيرة التي تعصف بالعقل العربي.« نكتبُ كي نعيش » يقول آخرون، ونتحول من دور التوقعات إلى دور كتّاب القطعة، مثل العمال المياومين أو العاملين على الفاتورة.. مثل العمال المستلقين تحت الجسور بانتظار نقلات «البحص والبلوك» وطلبات فتح «السياقات».. نكتب لنعيش لأننا لا نعرف شيئاً سوى الكتابة التي يقولون إنها لا تطعم خبزاً في العالم العربي!.
الكاتب العربي اليوم بلا مشروع، فالإفلات من عصر الانحطاط لم يكتب له النجاح، و”كلبجة” المنابر والرقابة والاضطرار للمراعاة ضماناً للعيش، تمنع الكتّاب من “بقّ البحصات” حتى أصبحت الكتابة طبخة «بحص لا تستوي ولا تنضج».. رغم أنها منذ مئات السنين، موضوعة في «طناجر» المعنى، وعلى نار هادئة كما يقولون!.