مقارنات غير صائبة ..!

كثيرة هي المقارنات التي يعقدها بعضنا ولا تكون منصفة ولا منطقية، فمثلاً احتج أحد الأصدقاء أننا لا نتابع المحاضرات كما نتابع الحفلات الموسيقية، وأنه لا يستطيع أي شاعر اليوم أن يستقطب جمهوراً بعدد جمهور أي مغني ولا حتى بموازاة نصف عدد جمهوره. كما إن بعضنا يقارن عدم نفاد نسخ رواية أولى لكاتب شاب مع نفاد نسخ كتاب نقدي أو فكري أو قصصي لمؤلف باتت تجربته متبلورة وواضحة المعالم ومكرّسة إعلامياً وأدبياً. ونظلم كثيراً الشاعرات اللواتي لا يستطعن إيصال أصواتهن لمسافة بعيدة عن منبر الإلقاء في الأماسي دون وساطة “المايكروفون”، عندما نقارنهن بقدرات الشعراء الذين هم في الأصل يتمتعون بأصوات أقوى كرجال. وكذلك يمضي كثيرون بمقارنة عازف شاب على آلة موسيقية، بقدرات عازف له من العمر الفني ما يتجاوز سنوات عمر العازف الشاب، غير آبهين للفارق الزمني الذي يمنح صاحب العمر الأكبر، خبرة لا يجب أن نغفل عنها، حتى وإن تساوت المواهب التي لا يمكن لها أن تتساوى أو تتطابق. ويغدو الأمر فاقعاً جداً في مسألة المقارنة هذه عند الحديث عن جمهور مبدع يرحل، وجمهور مبدع راحل آخر! وكيف تم التعاطف والتأسّي على رحيلهما، فتبدأ المقارنات بالقول أن هذا المبدع أو ذاك يأخذ أكثر من حقه، إذ استغرب البعض من كم التعاطف الذي لقيه الفنان “حاتم علي” المتعدد المواهب (كتابة وتمثيلاً، وإخراجاً في المسرح والتلفزيون والسينما) الذي ختم العام المنصرم بأسى رحيله، وبين من تعاطف مع من رحل من أعلام في الأدب والفكر، وأشاروا إلى أن الجمهور حتى في مسألة التعاطف هذه ينساقون بثقافة القطيع! لكن الذين مضوا بالمقارنة هذه غفلوا عن أن التعاطف مع الراحل “حاتم علي”، لا ينفصل عن التعاطف مع أعماله الفنية والفكرية الذي احترم عقولنا جميعاً، وأنه لا يجوز المقارنة حتى بين جمهوره وجمهور مخرج سينمائي، فكيف لمقارنة بين جمهور مبدعين من حقلين مختلفين، أحدهما أدبي وآخر مرئي، فالحقل الأخير بالأساس هو الأكثر جماهيرية لأنه يُستهلك من شاشة التلفزيون الموجودة داخل كل بيت وموقع عمل؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار