في الطريق إلى السعادة ..!
غايةُ متسلقِ الجبال؛ أن يصل القمة، ليستمتع بأكبر قدرٍ ممكن من المناظر، لكنه وخلال صعوده إلى القمة، لا يمنع أبداَ من التمتع بالمناظر التي يشاهدها، حتى وإن لم يصل إلى القمة أبداَ، فبالنسبة للأشخاص التعساء، لا يعني أنهم سعداء بتعاستهم، بل هم يفضلون الشكوى على الشعور بالسعادة..!
ثمة حكاية تقول: إنّ فيلسوفاً كان يتجوّل في مقبرةٍ؛ فلفت انتباهه أعمار الموتى المسجلة على شواهد القبور، وهي بالدقائق أو ربع ساعة، وأطولها كانت نصف ساعة، وعندما سأل الفيلسوف حارس المقبرة عن سرِّ الأعمار القصيرة لـ”النزلاء”؛ أجابه الأخير: لأنّ الأهالي هنا يحسبون أعمار أبنائهم بعمر السعادة الذي عاشوه، فقال له الفيلسوف: إذاً سجلوا على شاهدة قبري (من رحم أمي إلى القبر)، ويذكر جلنار، “إنه لو بُني للسعادة بيت؛ فأكبرُ قاعةٍ فيه؛ هي قاعة الانتظار”.. من جهته يُشبّه أفلاطون الرغبة بحيوان له ألف رأس، كنايةَ لكثرة الرغبات لدى المرء، رغم كثرة الرغبات هذه؛ فإن مآلها في النهاية، هو الحصول على السعادة، ذلك أن كل إنسان في هذا الكون راغبٌ فيها..
في ذات حوارٍ مع الباحث الفرنسي غيوم موران، الذي قدّم سلسلة من المحاضرات عن السعادة حول العالم.. سألته: مالذي يؤكد أن ثمة وجود للسعادة حقاَ، ماذا لو كانت مجرد تهويمات فلاسفة، وحسب؟ فأجاب: لا أرى داعٍ للبرهنة عليها، الإحساسُ بها دليلٌ على وجودها، ولا تقل أنّ هذا الإحساس غير موجود؛ هو موجود بالتأكيد، حتى، وإن كان سطحياَ، ومدته قصيرة، ذلك أنّ الرغبة بالسعادة موجودة قبل الفلسفة، فالفيلسوف يُعاين تلك الرغبة في السعادة، هل هي مصطنعة، ماذا نرغب في العمق، ولماذا المرء يريد تلك السعادة بعينها..؟
وبالنسبة للتعريف الفلسفي للسعادة، فقد اختلف الفلاسفة في تعريفها منذ القديم، غير إنّ السعادة موجودة، رغم عدم الاتفاق على تعريفها، السعادة ليست خيراً في جملة خيرات، بل هي الخير المطلق والأسمى، من هنا فإنّ تعلق المرء بأمرٍ ما يكون لاعتقاده أنه يوفر له السعادة، وهي بالنسبة لإبيقور على سيبل المثال، اللذة، فيما (سنيك) يراها في الطمأنينة، سقراط وجدها في الفضيلة، وأرسطو في إتمام الذات من خلالها، كانت النظرة إذاَ لماهية السعادة هي سبب هذا الاختلاف..
حتى من يتصوّف يقصد سعادة ما، والذين يقدمون على الانتحار، ينشدون السعادة أيضاً، لكن أن نصل إلى السعادة عن طريق تعذيب الذات أي “المازوشية” فهذا بنظري تناقض محزن، هي لذة خاطئة، وليس بالضرورة أن يصل المازوشي إلى السعادة، وحسب سيبنوزا فالمازوشية هي الشغف المحزن، أو متعة حزينة، ذلك أنّ طرق الوصول مختلفة حسب طبيعة كل شخص ..!
لكن هل يمكن الشعور بالسعادة دون المرور بالشقاء والألم؟! بالعودة لرأي غيوم يقول: ربما هذا الأمر من أحد مآسي السعادة، فحتى نشعر بها أو نعرف كنهها، لابد أن نقاسى عكسها، فالمريض بالتأكيد يحس بالسعادة عندما يشفى، يرى شوبنهاور أنّ السعادة تتأكد بانتفاء عكسها، ويضيف أيضاَ أنّ التأمل بهذه النقطة لا يمكن تجاوزها، أرى أنّ الألم هنا متمم للسعادة، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف نشعر بالسعادة بدون السبب الذي قادنا إليها، كيف نشعر بالسعادة دون أن نعيش عكسها؟!!