يا مسعدك صبحية

ثلة من الأغاني انتشرت كالنار بالهشيم  على القنوات الفضائية في برامج تحتفي بالعام الجديد 2021 ، كالقرع بالفؤوس على الرؤوس .. ضجيج وكلمات لا تحمل معنى، وموسيقا لا تعرف لها وزناً أو إيقاعاً .. حتى بات أغلبية الساهرين أمام الشاشة الفضية يستجدون تخفيض الصوت أو الانتقال إلى برامج أخرى وآخرون يتمنون إطفاء التلفاز وإسكاته بشكل نهائي .

ترى لو أن صاحب “الأغاني” أبو الفرج الأصفهاني عاد لهذا الزمان ليختار من عصرنا ثلة من الأغاني لتوثيقها في كتابه التاريخي الثمين، هل يمكن أن نتوقع ماذا يحدث ..؟

لنبدأ من حيث وصلنا من الموسيقا الرقمية والأغاني الرقمية وسيدهش صديقنا حتماً من التطبيقات الجديدة التي تتيح لأي شخص الغناء من دون الشروط القديمة كالموهبة وقوة الصوت وسلامة نطق الأحرف .. أغاني اليوم لا شروط عليها حمّل التطبيق وأطلق لصوتك العنان ..

وقبل أن يستفيق الأصفهاني من الصدمة التقنية سيتلقى موجة جديدة من أغاني “الراب” والأغاني الشعبية والسريعة وطبعاً لن يكون لأصحاب هذه الأغاني أسماء لكثرة الإنتاج وضياع الحقوق وتشابه الكلمات والألحان والأصوات .

لكن الذي يطير عقل صاحبنا مستوى الكلمات الأشد هبوطاً من الألحان التي تدفعك إلى الهذيان والجنون ..

أي حال مخجلة وصلت إليها أغانينا! وأين هي الهيئات المسؤولة عن الأغاني السورية؟ أليس من المخجل والمعيب أننا في سنة 1948 أطلقنا “إذاعة حلب” التي أُسست وكان لها شأن كبير في انتشار الطرب السوري الأصيل في العالم العربي. ونشر الموسيقا السورية بين العرب؟ ، أضف إلى التأثير في الغناء المصري نفسه. والغناء المصري مدين، بلا شك، إلى الفنان السوري شاكر الحلبي الذي هبط مصر في سنة 1840، ولقّن الفنانين المصريين أصول الموشحات والقدود التي كانوا يجهلونها إلى حد كبير. وثمة أيضاً الشيخ علي الدرويش والشيخ عمر البطش الذي ألّف خانات تركها سيد درويش ناقصة في بعض موشحاته مثل “يا شادي الألحان” و “منيتي عز اصطباري”.  ولا ننسى ألحان أحمد أبو خليل القباني التي شاعت في مصر وبلاد الشام بعد وصوله إلى القاهرة في سنة 1884، مثل: “يا مال الشام، يا طيرة طيري يا حمامة، يا مسعدك صبحية، صيد العصاري”، وموشح “ما احتيالي”.  وما هو  معروف أن عبده الحامولي وكامل الخلعي تأثرا كثيراً بالغناء الحلبي وانعكس ذلك بشكل واضح في ألحانهما، فضلاً عن سيد درويش.

إن حالة التردي والهبوط في بعض الأغاني الجديدة بات يشكل فساداً للذوق العام والنتيجة كل يوم مطرب جديد يأتي ويذهب والأغاني الحديثة تستجدي توقيعاً من هنا أو هناك لتبث وتنتشر عبر محطات الإذاعة والتلفاز ضاربين بعرض الحائط ذلك التراث القيم الذي نعتز به من رصيد الأغاني ومتجاهلين جهد الأصفهاني الذي أثبت أن الجمال من منبع واحد في كل العصور .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار