كأنك قد اغتبطت
لعلَّ في وقوفنا ونحن بكامل ملكات اللحظة الواعية أمام مرآة عام مضى، نقرأ ملامح الخطوط التي رسمناها على عجل أو بتوءدة وأمام رسم خطوات بقيت آثارها تعكس جانباً مشرقاً ما، وآخر مدلهمّ، بين محطتين لابد من توديع أحدهما والانتقال إلى الأخرى، حيث قانون الأشياء، إن كنت على سفرٍ عن مكان وزمان فأنت إلى وصال مع نظيريهما فما عساك انتفعت باعتبار مامرّ من متناقضات، تلك أفكار وهواجس تراود كلَّ واحد وهو على بُعد يوم ونيف من عام جديد يضيف إلى سنيّه تجربةَ عام وينقصها من عمره في آن.
هذه الأفكار تتوارد تلقائياً وتؤثر بقدر ما يحمل صاحبها من أضاميم الوعي عطراً وبهاء، وهي بالتالي جديرةٌ بالتأمل والتوقف عندها طالما هي تحمل طاقةً تهبها للحيّز البنّاء في حياة المرء، وهي ليست خليقةً بالتوقف عندها ولا للحظة طالما كان فيها شيءٌ من المنغصات السلبية الشبيهة بالعصي مزروعةً في عجلات الحياة، فما مضى من الحكمة أن ننساه إذ لا فائدة من استرجاعه بل الجدوى في تلافي عثراته ونقاط الخلل والضعف التي ألفيناها في سجلّاته وتعزيز نقاط الضوء التي تلتمس في زواياه، لأن هذا التلافي وذاك التعزيز هما المقصود الأول والأخير ليكون المرء عارفاً بعقله وجنانه معاً إلى أين يسير، والخطة التي يضعها العقل والوجدان لابدّ من أن تأتي أكُلها، ولابد لتلك الأثمار من أن تكون لذيذةً وحميدةً معاً، وهذا ما يمكن أن نقرأه فيما ترك لنا أسيادُ أهل الحكمة من تجارب في الحياة والجدوى وفي الأسلوب الأنجع لصعود القمم، ومن ذلك ألّا يطغى على المرء هاجسُ مالا يمكن تحقيقه، فطغيان هاجس اللا ممكن يعني باختصار مضيعة الوقت الثمين في سبيل سراب، وهذا هو أحد معاني ضياع العمر، وهو ليس من شأن العقلاء ولا هو بضالّتهِم، وبين عامي 2020 و2021 يمكن أن نقدم طاقة زنبق مكتوباً عليها من هدْي أسياد أهل الهدى والحياة :
لا تشغل نفسك بما مضى فقد فات، ولا بما هو آت فإنك لا تعلمه، واصبر على الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت.