افتراضي فقط
لم يكن جارنا السبعيني متكدراً من خطبة ابنته لشاب مقيم في المهجر من دون أن يعاينه ويختبر طباعه على الواقع، وبدا حين قدوم أهل الشاب لتلك الغاية مقتنعاً بأن التعارف الافتراضي – عن بعد – عبر وسائل التواصل الاجتماعي كافٍ للتقييم والموافقة.
تكيّف ذلك الرجل المسن مع الواقعة التي كان حصولها مستحيلاً قبل عدة سنوات، ليس ببعيد عما آلت إليه حياتنا التي أصبح محور الكثير من تفاصيلها افتراضياً مألوفاً.. فكلنا يصادق أشخاصاً على وسائل التواصل الاجتماعي من دون معرفة مباشرة وبلا أي اختبار وتجريب على الواقع.. ويكتفى للموافقة تصفح لائحة الأصدقاء على صفحاتهم.
وفي مجالات أخرى فالفضاء الافتراضي حاضر بقوة، إذ أصبح الكثيرون يشترون ويبيعون لمجرد الرؤية على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تاركين خلفهم إرثاً كبيراً من عادات الشراء المتمثلة بتكرار التجوال لمرات ومرات في الأسواق مع التمحيص والتجريب واستخدام ميزة الاستعانة بأكثر من صديق.
ما نعيشه اليوم هو الحياة بوسائل افتراضية حتّمتها الضرورة بعد سنوات الحرب البغيضة على سورية التي شتّتت البشر في كل أصقاع الأرض، على الرغم مما قد يترتب عليها من فشل لبعض حالات الزواج والصداقات والشراء الافتراضية لاحتمال أن تكون الصورة الافتراضية مزيفة وتتبدد جماليتها بعد أول مواجهة في الواقع.
المشكلة الآن أن كل ما سبق من انتشار للعلاقات الافتراضية في حياتنا لم يفلح بعد في طي بعض العادات التي لم تعد تستقيم مع تفشي وباء كورونا.. إذ إننا تقبلنا واقعة الزواج عن بعد لكننا لم نقتنع بعدم ضرورة إقامة حفل القران في صالات الأفراح تفادياً لانتشار الفيروس وخاصةً أن العريس أساس مثل هذا الحفل غائب أصلاً، إلا إذا كان لا مناص من أن “تنصمد” بدلاً منه أم أحد العروسين.. كما لم نقتنع بعدم ضرورة إقامة مجالس العزاء تجنباً للعدوى حتى ولو كان المتوفي قد قضى لإصابته بالفيروس.. وكذلك لم نختصر جلسات المقاهي مع الأصدقاء في ظلّ تجمعات خطرة (كورونياً) على الرغم من إمكانية تواصلنا اللحظي معهم عبر الإنترنت..
ما تقدم لا شك يستدعي منا جميعاً صحوة افتراضية تجعلنا نستشعر أن ما يحدث من تفشٍّ للوباء لم يعد يحتمل مزيداً من التهاون والاستهتار وعلينا الاكتفاء بالتواصل الافتراضي عن بعد حفاظاّ على حياتنا وحياة من نحب.