حياتنا كلُّها باتت بحاجة إلى مُنَظِّمات، من مختلف الأنواع والأشكال: مُنَظِّمات لارتفاع الضغط الشرياني، أو لانخفاضه ، فمرَّة يصل ضغطك إلى العشرين، وأخرى ينزل إلى الثمانية، والخشية، كلّ الخشية، ألا تنفع مع قلوبنا المنتفخة الحبّة تحت اللسان، ونُصبح في خبر كان، خاصّةً أن أسباب التَّوتُّر لا تعدّ ولا تُحصى، ومجرد تذكُّر بعضها، كفيل بأن يُخَلْخِل كياننا، ويُحيِّر موازين الضغط الزئبقية والإلكترونية الحديثة.
كما أننا مُضطرُّون لاستخدام مُنَظِّمات مستوى السُّكَّر في الدَّم، الذي «لَخْبَطَ» حياتنا، وجعل أعصابنا عُرضةً للتلف، ففي أحايين تراه يتجاوز حاجز المئتين وخمسين، رغم مرارات الحياة المختلفة، وفي أحيان أخرى ينخفض إلى حدود الستين، بحيث لا تنفع معه «بونبونة»، ولا لوح شوكولا، ولا حتى حبوب «الغلوكاغين» مديدة الأثر.
وفوق هذا وذاك، لا بُدَّ لنا من مُنَظِّمات التَّيَّار الكهربائي، فبالرغم من أن ساعات الوصل لا تتجاوز الخمس ساعات يومياً في معظم أيام الأسبوع، إلا أن «فوق الموتة عصّة القبر.. ومع ها العلّة ضروري الصَّبر»، إذ لا تصل شدة التيار في معظم المنازل إلى أكثر من المئة والعشرين، بحيث إنها بحاجة إلى منظِّم جبَّار ليُمكِّنها من أن تكون صالحة للاستخدام، وفي حالات «الرفرفة» المُزمنة التي تشهدها كهرباؤنا المُعاصرة، رُبَّما تخسر حتى المنظم، إن لم يكن مزوَّداً هو الآخر بدارة حماية، وبالتالي يصبح غير قادر على التنظيم من أساسه، هذا إذا لم تخسر معه «موتور» البراد، إن لم تسبقه بذاك المنظم الأثير ذي الثلاثة أنوار، و«بورد» الغسالة الأوتوماتيك، في حال لم تستطع فصل قاطعها قبل وقوع الواقعة المؤلمة، إلى جانب خسارتك المتوقعة لـ«ترانس» التلفزيون والراوتر، و«شاحن» الموبايل واللابتوب، وخلافهم، بحيث إنك ستلعن الحضارة من أساسها، ولن تنسى مُفرزاتها الآثمة بحقِّك شخصياً، وستنظر، في غيبوبة آلامك وخساراتك المتكررة، إلى حياتك كأنها ذاك الأوتستراد بين نهر عيشة ودرعا، مملوء بالمطبات غير الضرورية، وإشارة المرور فيه تُضيء ألوانها: الأحمر والبرتقالي والأخضر معاً، فتحار معها هل توقف سيارتك أم تتمهل أم تواصل سيرك؟.