الجيل البَصريّ
هل نَظلمُ الجيل الجديد عندما نطالبه بأن يكون على الدرب الذي سار عليه آباؤه وأجداده؟
ثمة صراع خفي يدور مابين الجيلين وتبرز الثقافة كإحدى المحطات الأساسية لهذا الصراع .. فما بين الثقافة البصرية التي تدور بشكل أساسي حول الشاشة الفضية ومواقع التواصل يصبح الكتاب إلكترونياً والدراما بكل أنواعها إلكترونية وحتى المعارض الفنية والأنشطة الثقافية كلها تدار من خلف الشاشة العجيبة ويجد الجيل الجديد أن العالم كله بين يديه دون أن يقوم من مقامه .
ويقال إن القبطان الماهر يستفيد من الرياح بأي اتجاه كانت ! وإذا كانت الحالة الثقافية الافتراضية تلقى ترويجاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي فنحن أمام خيارين .. الأول: أن نقف مع صف المتفرجين الذين ينتقدون ويندبون حظ من لا مكان له على الافتراضي، والحالة الثانية: أن نبادر بمقترحات جديدة ونصنع منصة ثقافية تليق بثقافتنا وإبداعنا ..! والكفة ترجح إلى الحالة الثانية …
مادامت الوقائع تشير إلى تراجع عادة القراءة وقلة عدد المشاركين في الأنشطة الثقافية مقابل ازدياد هائل في نشاط مواقع التفاعل والمدونات الإلكترونية الثقافية .. فالبداية والمبادرة تعتمد على نشر الأنشطة الثقافية من مسرح وموسيقا ومهرجانات على منصات التواصل والتسويق لها عبر الفيديوهات والعناوين .. وهذا ما نجده حالياً على العديد من الصفحات الإلكترونية إضافة إلى الاهتمام بالسياسات الثقافية الجديدة وقضية المحتوى على الإنترنت خاصة أن عدم وجود محتوى جيد أو حتى بوجود محتوى هلامي غير ناضج وحبل متروك على الغارب على تلك المواقع دون ضبط الإيقاع الثقافي فسيكون وقعه سيئاً على الجيل الجديد ولا داعي للبحث في الأماكن البعيدة فما نجده حالياً على الهواتف المحمولة يشي ويُنبي بالكثير !!! وعلى الرغم من أهمية الشبكات الاجتماعية والإخبارية إلا أنها بدون صياغة جيدة و ثقافة تقوم على أسس وأخلاقيات المجتمعات تصبح ترسيخاً لقيم مادية لا تضع مجالاً للإنسان أو قيمه أو طموحاته أو مستقبله الشخصي والمهني .
وما بين لحظة وأخرى في ظل التسارع التقني علينا أن نحزم أمرنا باتجاه التسويق الإلكتروني الذي بات أكثر ما يميزه كسر حواجز الزمان والمكان المساعدة على وصول الرسالة الثقافية في أقل وقت ممكن بتكلفة تكاد تكون معدومة وكذلك ضمان تسويق المنتج الثقافي إلى الأقاليم البعيدة والهامشية .
نفهم أن كسر حالة التعود ستكون صعبة بالبداية لكن الطائر الافتراضي لن ينتظر أحداً وسنجد أنفسنا معزولين ووحيدين بأفكارنا وقيمنا وأخلاقنا نترحم على أيام زمان ولا نملك جسراً للعبور إلى المستقبل .. هي لحظات مغامرة وتحتاج إلى شجاعة ولطالما كان المثقف يقفز بخياله وعلى صفحات الكتب في الفضاء الحرّ، فهل عليه اليوم أن يفكر طويلاً وقد بات الفضاء الافتراضي قاب قفزة واحدة وإنما دون مظلة إلا مظلة الصدق والإخلاص .