الخطافات الصغيرة
في الكتابة الدرامية، لا يمكن كتابة ملخص لمسلسل أو فيلم “القلب الشجاع” مثلاً على أنه قصة البطل الذي يريد توحيد وتحرير اسكتلندا، بل لا بدّ من أنسنة الحكاية، والحديث عن الدوافع الإنسانية البسيطة، هذه الدوافع هي ما تستطيع الإضاءة على فكرة أو حتى مسألة وقضية عامة.
وعندما أراد أحد السوريين في المهجر أن يشرح المسألة السورية سألته المذيعة قبل الهواء: ماذا تريد أن تقول للجمهور العالمي؟، فأجابها عن أهمية المنطقة ودور سورية التاريخي…فطالبته المذيعة أن يترك كل ذلك، ويتحدث عن تجربته الشخصية، ففي المحطات العالمية جمهور تعرفه المحطات وتدرسه، وبناء على ذلك توجه له الرسالة التي تريدها المحطة، لكنها مغطاة بما يريده الجمهور.
على ما يبدو أن القضايا العامة لم تعد وجبة رئيسة أو مفضلة للجمهور العام، وخاصة بعد إعياء المتلقي منها، وربما صار أكثر دراية من صاحب القضية بها، وقد يكون ذلك بسبب كثرة الحديث عنها إلى درجة النمطية التي تسبق السخرية كمرحلة!.
في الفكر والثقافة تعلمنا أن القضية تتكون من مسائل، ولم نتعلم أن المسائل لها مكونات أيضاً، فهي حتى تتحول إلى مسألة لا بد أن تتكون من أسئلة، وما هذه الأسئلة إلا تجارب الأشخاص على تنوعها، من ناحية التجارب ومن ناحية الأشخاص، وعمومها يندرج في هذه المسألة أو تلك، وعموم المسائل يندرج في قضية تخص أمة بكاملها.
في المعركة الانتخابية الأمريكية مثلاً، لم نجد برامج انتخابية ومرد ذلك أن هذه البرامج لم تنقذ المرشحة السابقة كلنتون أمام ترامب الذي لم يكن مزوداً ببرنامج انتخابي في المعركتين، ما دفع منافسه الجديد أن يتخلى عن البرامج لمصلحة القرب من الناخب الذي يهتم بالتفاصيل أكثر من اهتمامه بالبرامج والحلول، وهكذا بالنسبة للناخب، فجواب مختصر مفيد خير له من أن يتعب رأسه بالتفاصيل، والمسألة هنا ليست المقارنة بين التفاصيل والمجمل، بقدر ما هي مخاطبة مزاج أو عواطف الناخب لا عقله!.
هذا ما علمتنا إياه الكتابة سابقاً، فالخطافات الصغيرة هي من تصطاد الأسماك الكبيرة.