البطاقات مُباعة!
يُصرُّ عددٌ من جمهور الفنانة ميس حرب، على أن نفاذ البطاقات المخصصة لحفليها الموسيقيين القادمين، خلال ساعات قليلة تلت الإعلان عنهما، ليس إلا تلاعباً يتكرر كلما أعلنت دار الأوبرا عن أمسية غنائية لفنانٍ سوري مميّز، حتى أن بعض المتابعين طالبوا صاحبة “محبوب قلبي قاسي” بمتابعة الموضوع جديّاً، من دون أن يُنكر هؤلاء بأن شعبية مطربتهم المفضلة في ازدياد، بل هي اليوم “رقم واحد” محليّاً، في اعتراف ضمني بأن البطاقات “ربما” لم توزع بالمحسوبيات والوساطات، كما تردد سابقاً عن حفلات للفنانات “ميادة الحناوي، ميادة بسيليس، ليندا بيطار”، وهو أمرٌ نزعم أنه قليل الحدوث في أمسيات الموسيقا الكلاسيكية، والتي تُفرد لها الدار مساحة واسعة في برنامجها الشهري!.
في العموم، معروفٌ أن الجمهور السوري على اختلاف مكوناته يتفاعل مع موسيقاه الشعبية المتداولة، مفضلاً إياها على غيرها، وإن كنا لا نستطيع تأكيد ذلك لغياب الدراسات واستطلاعات الرأي، فالبعض يرى أن الناس العاديين في العالم أجمع يفضلون الموسيقا الخفيفة والأغاني الدارجة، ليس لأنها ترتبط بتقاليدهم وتراثهم الموسيقي بل لأنهم يفتقدون إلى الثقافة الفنية والتربية الجمالية، ولا يمكن الإنكار بالمقابل أن التعرّف على الموسيقا الأرقى في العالم لا يتعارض مع المحافظة على التراث الشعبي والقومي لكل شعب، لا شيء يمنع استماعنا لموسيقا تشايكوفسكي وبيتهوفن وموتسارت، مع استماعنا لموسيقا سيد درويش أو لأغنيات أبي خليل القباني.
لكن إذا كانت الذائقة الموسيقية لا تنفصل عن الحالة المعيشية ومستويات التعليم ودرجة الثقافة وما إلى ذلك، فالأولوية اليوم لتراثنا وموسيقانا اللذين يتعرضان باستمرار للتشويه والسرقة، مرّات بداعي التطوير وأخرى بداعي النشر والإحياء مجدداً، وهو ما يُطالب به الجمهور فعلياً حين يستهجن نفاذ البطاقات لحفلٍ يُتيح له سماع شيء يُشبهه، يشبه لهجته وثقافته وذكرياته، والخوف أيضاً أنّ التفريط بالمادة الموسيقية الأولى لدينا، يحدث بمباركة عدد من الموسيقيين، ويحظى بالتصفيق والدعم، دون أن نلحظ أي دراسة أو بحث يتناولان ما يتم العمل عليه ونشره بين الناس، والذريعة دوماً اختلاف الأذواق والرغبات والأمزجة، ولا خلاف على هذا، لكن لا شيء يمنع من الانحياز لما هو “محلي”، قبل أن نفقد المزيد مما عندنا!.