ما وراء اغتيال فخري زاده
سياسة اغتيال العقول بهدف وقف تقدم الدول والأمم والشعوب سياسة أمريكية- صهيونية قديمة ومستمرة ولست وليدة اليوم أو الأمس القريب.
فالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني لا يتورعان عن اغتيال أي شخصية سياسية أو فكرية أو ثقافية أو علمية إذا استشعرا أنها تشكل علامة فارقة تساهم في وقف غطرستهما و”تفردهما” حسب زعمهما في “استحواذ” التقدم والازدهار وامتلاك وسائل العلم والمعرفة والتطور.
من هذا المنطلق بداية يمكن تفسير جريمة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة بهذه الصورة البشعة خصوصاً وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية العدو اللدود للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني تحقق خطوات رائعة في مجال العلم والتطور وبكفاءات وطنية وتضع نتائج أبحاثها ومنجزاتها بتصرف العالمين العربي والإسلامي اللذين تسعى واشنطن و”تل أبيب” لدفعهما إلى حالة من التخلف والتبعية “للسيطرة” عليهما بل لتستمر هذه السيطرة إلى آجال غير معلومة.
بعيداً عن الجانب العلمي والتقني وإذا ما نظرنا إلى الجانب السياسي والصراع الدائر في المنطقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جانب والولايات المتحدة والكيان الصهيوني من جانب آخر حول كافة الملفات والأجندات وخاصة الاتفاق النووي بين طهران و”مجموعة 5 +1″ الذي انسحبت منه واشنطن فيمكن قراءة جريمة اغتيال فخري زاده وفق السياق التالي وفي اتجاهين متداخلين أولهما: هو محاولة استفزاز إيران إلى الحد الأقصى لدفعها باتجاه الرد على العدوان الموصوف على أمل “أن يكون ذلك شرارة” لحرب كبيرة قد لا تكون في صالح المنطقة برمتها، وبالتالي توجيه ضربة عسكرية أمريكية أو حتى شن عدوان كبير في الأيام القليلة المتبقية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وهذا من وجهة نظر ترامب وحليفه الصهيوني الإرهابي بنيامين نتنياهو يحقق مكاسب شخصية على المستوى السياسي لكليهما وقد يبقيهما في السلطة لفترة أطول.
وثانيهما: وفي حال لم يتحقق الهدف الأول فإن المأمول من وراء هذا العمل الإجرامي هو عرقلة أي خطوة إيجابية قد يقدم عليها الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن في التقرب من إيران أو محاولة العودة للاتفاق النووي وترطيب الأجواء المشحونة التي خلفها ترامب.
في كل الأحوال فإن اغتيال فخري زادة مع كونه جريمة نكراء قد يكون المتورطون فيها أكثر من واشنطن و”تل أبيب” فإن الحكمة الإيرانية أكبر من أن تتهور طهران في اتجاهات يريدها أعداء إيران، ولطهران الكثير من الوعي للقيام بالرد المطلوب والحتمي على هذا العمل الجبان ولكن في الوقت المناسب وبما يخدم مصالحها وثوابتها وحقوقها ويفوت على أعدائها إمكانية الاصطياد في الماء العكر.