رغم أن السفر إلى ضيعته المهملة يكلفه “بقرة جحا” لكنه كان يكسر على “أنفه بصلة” عله يحصل على بضعة أيام من راحة البال، بعيداً عن ضوضاء المدينة وبلاء الغلاء، لكن رغبته المشروعة عكّرها انتقال مشاكل المعيشة ذاتها إلى الأرياف مصحوبة بانعدام كلي لمقومات الحياة وانحدار مستويات الخدمات إلى الصفر، فلا كهرباء ولا ماء ولا مقدرة على تأمين مستلزمات زراعة الأرض رغم استجابة الأهالي السريعة لدعوة الرسميين في زراعة كل شبر أرضٍ من غير مَدّهم بأي دعم يذكر، لتحضر بقوة مقومات العصر الحجري وتمنع التحرك لتحقيق الهدف المنشود.
الاستمرار في إهمال الأرياف، الخزان الغذائي لأهالي الريف والمدينة يعد خطأ كارثياً يتطلب تداركه فزعة حكومية مزودة بأدوات عمل مصوبة البوصلة نحو إنقاذ سكان الأرياف من وضعهم المعيشي الصعب ومدهم بالإمكانات المطلوبة لزراعة أرضهم بما يضمن تأمين قوتهم وحاجة الأسواق من السلع الأساسية بأسعار مقبولة بعيداً عن المستوردات والمهربات، التي ترهق الخزينة لمصلحة كبار الفاسدين والمهربين المستفيدين من إبقاء الريف وفلاحيه في دائرة التجاهل والإهمال، مع أننا بأمسّ الحاجة لاستنهاض همم أهل الريف وليس إحباطهم للمساهمة بانجاز الاكتفاء الذاتي وكسر الحصار، وحتماً طريقة تعاطي المعنيين في مختلف الوزارات مع شؤون ومشاكل الريف لا تبشر بالخير مع أن ثرواته وخيراته الكثيرة قادرة ببساطة على قلب المعادلة لمصلحة مواطنين أصبح أغلبهم تحت خط الفقر.
تغير حال الاقتصاد المحلي والخلاص من الأزمات المعيشة لا يحتاج استجداء رجال قطاع الأعمال وإن كانت مسؤوليتهم الاجتماعية تقتضي ضخ أموالهم في مشاريع مجدية بلا منية، وإنما يتطلب استثماراً مثمراً لإمكانات الأرياف المهملة ودعم المشتغلين بالقطاع الزراعي بدل حرمانهم من أبسط مقومات الحياة، فعندما يتم دعم كل قرية باحتياجات زراعتها سنضمن تدريجياً اشتداد عود اقتصادنا المحلي والاتجاه بقوة صوب تأمين مستلزمات المعيشة محلياً بلا حاجة لاستيراد حبة سكر أو قمح واحدة، فلمَ تديرون ظهوركم لمناجم الذهب غير المستثمرة في أريافنا وخاصة أن فيها الحل لكل مشاكلنا المعيشية مع قدرتها على كسر شوكة الدولار والعقوبات وبأقل التكاليف.