منذ صباح البارحة والمباركات والتهنئات لم تتوقف.. اتصالات على الهاتف الأرضي في المنزل والمكتب، وعلى الموبايل، إلى جانب رسائل قصيرة مفعمة بأجمل العبارات وأكثرها تنميقاً، منشورات (فيسبوكية) وتغريدات (تويترية)، وكلها تحمل كل معاني الامتنان لصوت المقهورين في هذا البلد، وللقلم الصادق، ولرسول القضايا الخدمية المستعصية، ولمُقوِّم الاعوجاج، والنَّاقذ الفذّ، و(مُدوزِن) النَّشاز، وغيرها من التوصيفات والتعابير التي تُخجِل المتواضعين
ليس هذا فقط، بل إن مكاتب الوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات لم تتوانَ عن تقديم شكرها للدور الكبير، والأثر الفاعل، والمساهمة العظيمة في توجيه بوصلة الأداء نحو الصَّواب، واقتراح الحلول للمشاكل بطريقة منهجية ملتصقة بالواقع، وتجنيب المؤسسات العامة هدر الكثير من أموال الشعب، من خلال الإشارة إلى مكامن الخلل، والبحث عن أفضل الطرق لمعالجته
ولكثرة بطاقات التهنئة والاتصالات والتبريكات، ترسَّخ الشعور بضرورة وجودة سكرتيرة في هذا اليوم بالتحديد، إن لم نقل مدير مكتب، لإدارة الردود على هذا الكم الهائل من المُعايدين والمُحبين والمُمْتنِّين بصدق، يضاف إليهم المُتملِّقون في بعض الأحيان والمُزاودون و«مَسِّيحة الجوخ» من أصحاب «الصوفة الحمراء» و(الذين على جنباتهم مسلّات توخزهم)
كل ذلك إلى جانب الدعوات على الغداء والعشاء، والتمنيات بزيارة كريمة لتقريب وجهات النظر في المواضيع الخلافية، وتدوير الزوايا في القضايا الرئيسة، ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بإيضاح المنهجيات الاستراتيجية والتفاصيل التكتيكية
وبعد تلك الأجواء الاحتفالية، سُمِعَت أصوات موسيقا هادئة، ومُبْهِجة أقصى درجات البهجة، وإذ بها صوت منبه الهاتف يوقظ صديقنا الصحفي صبيحة يوم (عيد الصحفيين)، الذي بدأه بشرب قهوته ثم لبس ثيابه، واضعاً الكمامة، والنظارات الشمسية، مع طاقية ليس اتقاءً لكورونا أو ضربة شمس، وإنما كوسائل تنكرية، خشية أن يراه السَّمَّان ويُطالبه بما عليه من ديون.