ماذا بعد جلسات الحوار ؟
الكثير من المداخلات والحوارات المهمة شهدتها الجلسات الحوارية التي دعت لها وزارة التموين والتجارة الداخلية وحماية المستهلك.. كانت فرصة للفعاليات التجارية والصناعية والتسويقية للجلوس على منصة واحدة وتبادل الأفكار ..ويمكن القول إن الآراء اتفقت على أهمية تعديل القوانين الناظمة للتجارة والشركات وغابت عنها قوانين السوق بما في ذلك حماية المستهلك , ناهيك أن وضع ضوابط للتسعير وهي المؤشر المهم لنجاح وتأطير هذه الجهود لم يكن واضحاً وغاب عن المناقشات والمقترحات وليس بالسر أن تسعير المنتجات في سورية يخضع لسياسة السبع دوخات وهذه السياسة ليست صنيعة الحكومة كما قد يعتقد للوهلة الأولى لكنها تتم بغض الطرف من الجهات المسؤولة عن ضبط الأسعار وفق مقترحات غرف الصناعة والتجارة .
وتحت عناوين المخاطر والعقوبات تتم زيادة أسعار المنتجات ولاسيما المستوردة بشكل فاحش يرتقي إلى مستوى الجريمة السعرية .. فعندما تقارن الأسعار في الأسواق المحلية بالأسعار في الدول المجاورة لسلعة من المواصفات ذاتها و بلد المنشأ نفسه تجد فارقاً كبيراً في السعر يؤدي إلى استغلال كبير إن لم يكن حرمان المستهلك من شرائها وإن كان بأمس الحاجة لها .
لكن الجريمة السعرية سرعان ما انتشرت من السلع المستوردة إلى السلع المنتجة محلياً حتى السلع الزراعية التي يفترض أنها لم تدخل فيها مواد مستوردة وهذا افتراضياً لأن شراء البذور بات بعضه مستورداً، وكذلك حوامل الطاقة كالمازوت مستورد والأسمدة مستوردة في جزء مهم منها ولذلك بدأت أسعار المنتجات السعرية بالتحليق وبتنا نشاهد البعض يبيع السلع غير الصالحة والتي تصنف كأعلاف نجدها على البسطات وتباع بأسعار ليست بالقليلة لكنها قريبة من إمكانيات الشراء ..وهذا يعكس عدم التوازن في ضبط الأسعار !.
ويمكن استعراض بعض الحالات التي تشكل وزمة في الأسواق لأن المنتجين يبيعون ويشترون وفق الأسعار العالمية وليس بموجب التكلفة الحقيقية وعلى سبيل المثال الزيتون.. فحسب تصريحات البعض حول تصدير الزيت السوري تجهز التجار والمنتجون وارتفعت الأسعار إلى حدود المليونين لبيدون الزيت ( حوالي العشرين ليتراً ) وما بين ليلة وضحاها صدرت مواصفات جديدة عالمية لزيت الزيتون ولم يشملها الزيت السوري وانخفضت الأسعار العالمية ..لكن الذين تعودوا رفع الأسعار لا يقبلون بسهولة التراجع والتخفيف من أرباحهم التي تعتبر ظالمة بالأساس ..لكن التسعيرة الجديدة انخفضت دون المليون ليرة أو بحدودها ويبقى هذا السعر أكثر من الأسعار بالدول المجاورة وتقريباً يوازي الأسعار التصديرية العالمية .
وبغض النظر أن الأغلبية من السوريين رغم الإنتاج الجيد والوفير لم يتمكنوا بسبب ضعف الدخل من تأمين احتياجاتهم من الزيت والتي تعتبر المادة الأهم على “السفرة “السورية لكن لا يزال أغلبية المنتجين يتطلعون إلى أسعار عالية ويحجمون عن البيع ..
مثال ثانٍ عن جريمة التسعير.. التفاح والحمضيات حيث غابت التكلفة الحقيقية وبات البيع وفق منطق توحشي فسعر كيلو التفاح لبعض الأصناف يصل لحوالي الخمسين ألفاً مقابل بسطات تبيع التفاح الصغير “المضروب “بحوالي العشرة آلاف أو أقل قليلاً حسب الأسواق الشعبية مع الأخذ بعين الاعتبار أن الموسم الحالي “دقة عالخشب ” وفير ويكفي ويزيد والبيع بأسعار وأرباح مقبولة تحقق الجدوى والأرباح وتزيد .
ما نريد قوله إن استغلال الأزمات والتلطي خلفها كان وراء فوضى سعرية متوحشة وحبذا لو أن جلسات الحوار تأخذ بعين الاعتبار في نقاشاتها ومقترحاتها الغائب الحاضر.. والمغبون السيد “مواطن “.